الشعر الحر: توزيع القوافي
من المهمات الجديدة بالشعر توزيع وتنويع القافية بالشعر الحر -شعر التفعيلة – وهي إحدى تجليات شاعرية التوزيع حيث أن الشاعر بالنص الحر بيده تغيير القافية كيف شاء مقارنةً بالقصيدة العمودية التي يلتزم بقافية محددة وحركة روي ثابتة مع بعض الاستثناءات بشعر الموشحات وغيره من الأنواع العمودية،
وهذه المهمة بالحر تحتاج للمسة فنية بالتوزيع لكي لا تُحدث قبحًا بكثرة الحروف المستخدمة بالقافية ولنوعٍ من الدقة أيضًا في إنهاء السطر الشعري بقافية دون إخلال بانتظامٍ يزرعه في الوزن .
ولعل أهم رداءة وجب تجنّبها بالشعر الحر سوء توزيع القافية ،
وهو يشمل رداءة توزيع المقاطع (الأحجام)، والفقرات الشعرية للنص الحر مما يُفقد القافية مكانتها أو ظهورها ، وهذا سيكون له مقالا نتكلم به عنه مستقبلًا ،
وسوء تنويع القافية بما في ذلك :
القافية المحورية التي تقود النص بالظهور والغياب ، بالتناوب مع القوافي غير المحورية التي تشكل في توزيعها جمال التنوع الإيقاعي والمعنوي للشعر الحر
يقول أمل دنقل بقصيدته “الوقوف على قدم واحدة” :
“أسقط فى أنياب اللحظات الدنسة أتشاغل بالرشفة من كوب الصمت المكسورِ..
بمطاردة فراش الوهم المخمورِ..
أتلاشى فى الخيط الواهن :
ما بين شروع الخنجر .. والرقبةْ
ما بين القدم العاربة وبين الصحراء الملتهبةْ
ما بين الطلّقة .. والعصفور .. والعصفور !”
،
نلاحظ كيف تظهر القافية المحورية بالمقطع السابق ، حرف الروي الراء ، : المكسور ، المخمور ، العصفور ، وكيف انتابت قافية أخرى سطرين من المقطع : الرقبة ، الملتهبة ،
والنص تقوده قافية الراء مع قوافي أخرى تظهر وتغيب : النون ، والباء ، وبهذا فإن شاعرية التوزيع وجدت لها مكانا بالنص الشعري الحر ،
وهذا التوزيع يحتاج الشاعر به ذوقا فنيا لئلا يرتكب خطأ يتسبب بالرداءة ومثال ذلك :
إذا كانت القافية اللام الساكنة ، رمالْ ، تلالْ فإن مجيء النون الساكنة مثلا “أزمانْ،رمّانْ” ثم العودة للقافية المحورية “اللام” يُعتبر تنويعاً قبيح المذاق وإن كان جائزًا.
على الشاعر الانتباه بأن الشعر الحر ليس سهلًا كما يتصور الكثير إذ أن ما أتاحه لك من إمكانيات يجب أن تستغلها بشاعرية وفن . .
وشاعرية التوزيع لها أشكالا مختلفة بحكم الحرية التي ينالها الشاعر بالشكل الحر وعليه أن يحسن إخراجها من خلال القوافي وتوزيعها ، ونجد لـ أحمد مطر على البحر المتدارك “الخبب” انتقالا جماليا بالخاتمة ، وهو الانتقال إلى قافية ختامية مرسلة غير مكررة تناسب الإجابة الانقلابية التي جعلتنا نعيد قراءة النص لمحاولة معرفة صحة إجابة أحمد مطر للغز وماذا كان يعني ،
يقول أحمد مطر :
قالت أمي مرةْ..يا أولادي عندي لغزٌ
من منكم يكشف لي سره؟
” تابوتٌ قشرته حلوى،ساكنهُ خشبٌ والقشرةْ”،
قالت أختي: “التمرةْ”،
حضنتها أمي ضاحكةً..
لكني خنقتني العبرةْ..
وقلت لها: “بل تلك بلادي”
القافية بالنص على حرف الروي : الراء ، “مطلقة مجردة من الردف والتأسيس وموصولة بالهاء”
مرّه
سرّه
القشْرَةْ
العبره
،
وقد ختم الشاعر قصيدته بقافية مرسلة مغايرة أو بقفلة حرة للنص :
“بلادي” على الروي الدال ، “قافية مطلقة مردوفة موصولة “
لأن إجابته كانت مغايرة للمتوقع بهذه القصة الشعرية التي وظف أحمد مطر بها قصص الأمهات في حكاية الألغاز للأبناء .
،
كان من الممكن على الشاعر أن يجعل إجابته على القافية الموحدة السابقة بإضافة كلمة إضافية بعد “بلادي” تناسبها ، لكنه اهتم برفع سقف النص من خلال الاعتماد على تغيير القافية أو الامتناع عنها مما ساهم في منح توظيف جديد لشاعرية القافية بكونها انقلابًا حافظ على توزيع النص شاعريًا بين اللغز وقافيته الموحدة والحل بقافية مرسلة مغايرة !
عصام مطير البلوي
الرسمة الملحقة للفنان البولندي Władysław Maurycy Czachórski تـ1911م