نثرنصوصيوميات

التغيير وطمأنينة التفاهة

استيقظتُ من نومي وعلى شفتي : “حان وقت التغيير” ، 
آها التغيير إذن ، فكرت كما تفكر الساحرات الصغيرات وقلت : “هيا بنا ، ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ ” 
ولم تمر ثانيتان إلا وأرتطمت بالباب بعد أن تعثرت بطاولة مكسورة ،
ثم بعد هنيهة من استرجاع الشعور قلت في نفسي هيا بي نحو السوق لا منجاة بالشعر ، علي أن أعترف ، وقد ملأت مسرح ديكارت بذكريات مول العرب بالقاهرة ، وقهقهات الدراويش بالحسين ، وخيالات جريحة كنت قد تخليت عنها آنذاك .

امتطيتُ الكامن الغافل منذ سنين ، وأشرعتُ للغة جهةً جديدة غير الجهات الأربعة ولا الفصول إياها أيضا ، ثم أعرتُ ذاكرتي أحد المتسولين شريطة أن  أسترجعها بعد تسكعي بالسوق . 

كم رصيدي ؟ هذا ما علي إجابته قبل ولوج أي محل ، ولا ينبغي لقديس مثلي أن يتجاهل لهفة النداء خصوصا من باعة العطور ،
( لا أود أن أكذب فلا مقام للكذب بيومياتي ، بائعات العطور المحتالات ، أعني بعضهن ) . 

“بكم العطر ؟ 
– عليه خصم وقيمته الآن بستمائة ريال “

(يا لها من لعبة تسويقية قديمة ، كنت قد درست التسويق في كلية إدارة الأعمال انتسابا ، وحينها أتذكر جيدا أنني كنت أقول إنه علم النصب وهأنذا أطيح على فنون المخادعين ومعقل الرأسمالية ). 

أطلت الحديث من باب التغيير ، إنها محتالة لكنها بارعة في التقاط الفرص بالإضافة لكوني مسؤولا عن ثقتي ، ولم تأخذ سنوات لتنالها ثم تغتالني كما فعلت بي إحداهن ذات يوم . 
– لم أدفع ريالا ، وانتقلت مباشرة لغرامي : المعطف/ الجاكيت 

تنقّلت بين الماركات العالمية بمول النخيل ، أقبّل ذا الجدارا وذا الجدارا ، ولم أجد شغفي سوى قاتلي لا محالة ، فالشتاء على باب الهجرة يستأذن الكوكب بالرحيل وقد أصرف آلاف الريالات بلا طائل ،
ثم ماذا عن الملابس ؟ والجزم؟ حينها أقمت وليمة التغيير وعزمت مشاعري ، وقلت لهن : 
“يبدأ التغيير بتغيير الملابس “

أنا أؤمن بواجب العمل على المشاعر بدءًا بالألوان التي أرتديها وأما الأفكار بنقدها والشعر بتحليلاته فما بهما يكفي لقتل حرارة النظرة الأولى ، وإنني وجدت من السيكوباثيبن والمضطربين بالنذالة التي أسماها فرويد ابن اليهودية بالنرجسية ، ما الله به عليم ، 
ألا ينبغي أن نحاسب فرويد وجماعته والمتأثرين به والمنافسين له والسابقين السابقين على إطلاق نرجسي بدلا من اسم : اضطراب الأفعى ؟ 

لا علينا 

قفزت إلى مقهى مكشوف للمارة ، وبدأت أصور كأي تافه يصور قهوته ، قلت في نفسي التفاهة بالنهاية تلطّف الشعور وتقضي على قلق الخسائر ،
 وقد دنا إلى عيني قول ميلان كونديرا بروايته حفلة التفاهة :

”التفاهة ياصديقي هي جوهر الوجود، إنها معنا على الدوام وفي كل مكان، إنها حاضرة حتى في المكان الذي لايرغب أحد برؤيتها فيه؛ في الفظائع، في المعارك الدامية، في أسوأ المصائب. وهذا يتطلب شجاعة للتعرف عليها في ظروف دراماتيكية للغاية ولتسميتها باسمها، لكن المقصود ليس التعرف عليها فقط وإنما يجب أن نحبها ، أن نتعلم حبها.“

يا سلام ، هكذا إذن علي أن أتجه فما الذي سأفكر فيه وأنا تافه ؟ سأغني وأهتم بالشعور البريء باللحظة ، وسأجعل تفاعلي على مستوى الشعور هادئ الرتم ، وقابلًا للإمساك بالسمكات التي تقفز من أعماقه وتعود إليها . 

كم كنت محبوسا في زنازين الأفكار العظيمة العظيمة ، الحقيقية الحقيقية ،  الميتة !!

0 0 votes
تقييم الأعضاء

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض