يحدثونك عن تغيير طريقة تفكيرك ..
يحدثونك عن تغيير طريقة تفكيرك ، ويختصرون آلاف الصحاري والكواكب والنجوم والمجرات بجملةٍ عابرة ،
إنهم كعادتهم متساهلون في كل شيء حتى بنصائحهم أو أنهم يبرئون أنفسهم منك بك !
إن طريقة تفكيرك هي أنت ممزوجٌ بهم وهم ممزوجين بك ، فما كانت طريقةٌ للتفكير إلا وشارك بها الجميع حتى تلك الشمس التي تشرق وتغرب غير آبهةٍ بنا
من علمك كيف تنتفع وكيف تحتوي وكيف تبتعد وكيف تقترب ؟ من علمك كيف تغضب وكيف تثور وكيف ترضى وكيف تقبل وكيف وكيف وكيف ؟!
من منحك عقلاً وسلبك قلباً ؟ من سلبك عقلاً ومنحك قلباً ؟ من مزج كليهما في ظرف وفصل بينهما في ظرف ؟ من كوّن أول أبجديات المسير لديك ؟
من علمك العطاء ؟ ولمن ؟ ومن درسك الجحود وكرسه فيك ؟ ولمن ؟
ما أنت سوى هم وما هم سوى أنت ،
لست فرداً بل جماعة وليسوا جماعةً بل أنت حالياً أو مستقبلاً، فكل ما يمر عليك يصقلك وكل ما يكون منك انعكاس مرآة
إن طريقة التفكير هي مجموع ما نلته في حياتك منهم و ما بدر منك إليهم ومجموع ما وجدت نفسك يوماً بعد يومٍ غارقةً فيه ومتشبثة كتشبث الأم ببنيها
إن تغيير طريقة التفكير تحتاج إلى ردةٍ بل إلى ردتين ، ردة عن المحيط وردة عن الماضي ، إن الردة لا تأتي إلا باهتزاز عظيم وزلزال يعصف بكل شيء
وإنه لمؤلمٌ جداً أن تسلك طريقاً كهذا بلا ساحقٍ ماحقٍ يدفعك إليه دفعاً ويؤزك نحوه أزاً ويؤجج رغبتك بأن تترك وتغيّر وتعيد رسم العالم مرةً أخرى
امنحيني يا حروفاً قادمةً من كواكبٍ لم تكتشف بعد ومجراتٍ لم تعرف بعد ووجودٍ أنكرته عقول البشر الواهية ..
امنحيني لحظة تفكيرٍ عميقة
إننا نساير ونواكب ونقلد ما نراه ونسمعه ونشمه ونتذوقه ونلمسه منذ صغرنا بل إننا أيضاً نجري ونموج ونعصف بفعل ما نأكله ونشربه ونتنفسه
إننا نبني الذاكرة التي لا مناص عنها في كل جزءٍ من أجزاء سلوكنا وتصرفاتنا ورغباتنا ، إننا نبني الذاكرة التي تأمر وتنهى فنطيع ونمتنع
فلا تعتقد أن سلوكاً أو توجهاً أو تصرفاً جاء عبثاً أو برغبةٍ لم يدفعك أو يدفعه أو يدفعها إليها أحد ، كانت الذاكرة انطلاقاً وما الذاكرة إلا هم أولاً
لقد علمتنا الشمس أن نذهب ونعود،
وعلمنا القمر أن نزيد وننقص
وعلمنا الليل أن نكون بثقوب مضيئة حتى في سواد أعمالنا ،
وعلمنا النهار أن النظر ليس كل شيء!
لقد تعلمنا من الشمس حب اللقاء وبغضاء النوى ،
وتعلمنا من القمر أن الغياب يصنع لأشواق وتعلمنا من الليل ماذا يعني الهدوء ..
وتعلمنا من النهار أن الألوان جمالٌ وقبح وأن الحياة رداءٌ وأن خطواتنا لم تكن سوى استجابةٍ لطريقٍ بُعِث من مكانٍ سحيق .
لقد تعلمنا من الكون كل تصرفاتنا ورسمت جغرافية الأرض ومناخاتها طبيعة ما نود ونكره،
لقد صقل الكون بنا صفحاته وأوراقه وظل يرقب نبضنا بشغفٍ فريد
امنحيني يا حروفاً قادمةً من أقصى كيانٍ عالقٍ في نهايات العالم الذي نتوق لمعرفة لبه وجوهره وسره المكنون..
امنحيني لحظة تفكيرٍ عميقة !
إن طريقة التفكير يصنعها الكون أولاً بخطوطٍ عريضة لا يمكنك تجاوزها ، فأنت محكوم بحدودٍ لا تستطيع تجاوزها مهما حدث ومهما فعلت ومهما بذلت.
وبينك وبين بلوغ هذه الحدود مسافات شاسعة ، ولن يصل إلى ملامستها أو الاقتراب منها إلا من دفعه الجنون إليها ليهلك بيد قانعٍ قابع قبل بلوغ مرامه
بل إن البشر أنفسهم اكتفوا بمتوسط مجموع قدراتهم ليكون سقفاً لا يتم تجاوزه وإن كل أمة من الأمم فصلت سقفاً يناسب قدراتها في كل زمان ومكان.
إن قدرات كل أمةٍ مرسومةٌ بأبجدياتٍ مغروسةٍ في تراثها وجغرافية أرضها وثرواتها وطبيعة مناخها وتجاربها واحتياجاتها وذاكرتها التاريخية.
وإن كل مجتمعٍ يتباين ويختلف عن مجتمع محيط وفق مجرباته وقياساته ورؤاه وطموحاته وأفكاره المستقاة من كل ما مضى وما يسود به من وضوح وغموض.
وإن التغيير بطريقة التفكير إما انتحارٌ تمارسه بتلذذٍ ليقيك شدة ما تتوجع منه أو بدايةٌ لمولد مجتمعٍ آخر لن تعيش به فلست سوى بداية والبدايات للتاريخ فقط حيث لا تنال سوى قراءة عابرة من شفاهٍ ملت التكرار ولعمري أن الشفاه القارئة نادرةٌ جداً في هذا العالم والعالم الذي سيأتي
امنحيني يا حروفاً قادمةً من موسيقى ما قبل العدم حيث تنبعث لأول مرةٍ معلنةً وجود الكون بتسنّماته وتردّياته ..
امنحيني لحظة تفكيرٍ عميقة !
أنظر إليك وهم يحدثونك عن التغيير فكأنهم يقولون لك اهدم كل التاريخ والآثار والأطلال والبصمات والذاكرة وحدك !..
أي أنهم بهذا يبرّئون أنفسهم عنك ومنك!
إنهم حينما ينصحونك إنما يصنعون منك شماعةً لكل ما فعلوه بك وأنت تظنهم يساعدونك ، إنهم لا يساعدونك بل يتخلّصون منك بك ..
إن طريقة التفكير هي “هم” قبل “أنت” فما أنت الا مزيجاً عظيماً من محيطٍ غرس بذوره فيك منذ بداية البدايات ، إن طريقة التفكير زمنٌ لا يغيّر رتمه
وإن كل إخفاقٍ وانهيارٍ رُسِم بريشة مجتمعٍ مشوه ، مشوه بكل تفاصيله وأشكاله وحروفه ونقاطه ، مشوهٌ في أعماقه وقشرته،مشوهٌ لا يُنجب إلا ما فعلت.
وإن التغيير الطفيف الذي من الممكن إحداثه ، إذا دُفِعت إليه دفعاً من شدة ما تلاقي وتعاني لا يكون إلا بالردة ، الردة عن الماضي والردة عن المحيط..
لتصبأنّ بهجرةٍ لن تغير طريقة تفكيرك فقد نُقِشَت فيك نقشاً -وإن أعظم وأجمل وأبهى طرق التفكير هي التي تجعلك مرمى السهام والرماح ! –
ولكنها ستتيح لك فرصة أن تهنأ بصبابةٍ تبقت بكأس عمرك ،
فلا تظلمْ وإن ظُلِمت !