اللازمة والاعتراضية والتوزيع…
منح الشعر الحر -التفعيلة- الجمل الاعتراضية مكانة في الشعر أكبر من تلك التي قدمها الشعر العمودي ،
والجمل الاعتراضية هي جمل تأتي بين متلازمين بالنحو ، بين المبتدأ والخبر ، الفعل والفاعل ، الشرط وجوابه ، القسم وجوابه ،
وبالشعر تتيح الجملة الاعتراضية ضبط الوزن ليناسب ما بعدها ، وكذلك لفت الانتباه ، أو إبداء وجهة بالمعنى جانبية أو تقوية العاطفة إلخ
بهذه المقالة سنتكلم عن
كيفية الاعتماد على الجمل الاعتراضية لتوزيع المعنى وضبط سياق تكرار اللازمة ،
واللازمة الشعرية انتشرت في شعر التفعيلة وهي تكرار جملة أو كلمة بكل فقرة شعرية لضبط الترابط بين فقرات النص الشعري .
بقصيدة خربشات طفولية
جعل نزار قباني الجملة الاعتراضية ضابطًا وتنويعا شاعريا في الربط بين فقرات النص مع تكرار اللازمة .
يقول
بنصه على البحر الرجز ، بقصيدته تلك في بدايتها :
“خطيئتي الكبيرة الكبيره
أني ، يا بحرية العينين ، يا أميره
أحب كالأطفال
وأكتب الشعر على طريقة الأطفال
فأشهر العشاق يا حبيبتي
كانوا من الأطفال
وأجمل الأشعار ، يا حبيبتي
ألفها الأطفال ..”
ثم
بعد “خطيئتي” وشرحها يعود ويقول :
” خطيئتي الأولى -وليست أبداً خطيئتي الأخيره-
أني أعيش دائماً بحالة انبهار
وأني مهيأ للعشق يا حبيبتي
على امتداد الليل والنهار ..
وأن كل امرأة أحبها ..
تكسرني عشرين ألف قطعة
تجعلني مدينة مفتوحة ..
تتركني – وراءها – غبار”
،
ثم بعد شرح “خطيئتي” السابقة يعود ويقول:
“خطيئتي ..
أني أرى العالم يا صديقتي بمنطق الصغار”
،،
ثم يشرح ويستمر كما سبق ثم يعود ويقول :
“خطيئتي .
– ومن بنا كان بلا أخطاء –
أني بقيت مؤمناً بزرقة السماء
وأنني أعتبر الأشجار ، والنجوم ، والغيوم أصدقاء
وأنني جعلت من قصائدي
عاصمة تحكمها النساء ..
فأي ثغر مغلق
يقول في مملكتي جميع ما يشاء
وأي نهد خائف ..
يقدر أن يطير أو يحط .. في الوقت الذي يشاء .”
،،
ثم يشرح ويستمر ويرجع ويقول باستخدام اللازمة الشعرية بنصه “خطيئتي”:
“خطيئتي – إن كنتِ تحسبينها خطيئةً- أني من طفولتي”
،،
وهكذا يشرح ويستمر ويعود
“خطيئتي أني أظل دائمًا منتظرًا .. ..”
،،
ثم يشرح ويستمر ثم يعود
“خطيئتي أني نقلت الحب من كهوفه”
وبتلك الفقرة الأخيرة استمر ثم أنهى النص.
،
يهمنا بتلك القصيدة والعينات التي نقلناها هنا أن نرى كيف استطاع نزار أن يجعل تكرار اللازمة ” خطيئتي” تكرارًا غنيًا من خلال الجمل الاعتراضية والتوزيع الشعري ،
وأما الجمل الاعتراضية فقد كانت :
“وليست أبدًا خطيئتي الأخيرةْ”
“ومن بنا كان بلا أخطاء”
“إن كنت تحسبينها خطيئةً”
وقد منح بذلك تكرار اللازمة بعدًا من التنويع بين تكرار لازمة بلا جمل اعتراضية وتكرار لازمة بجمل اعتراضية ، وهذا شكل من أشكال التوزيع الشعري مما رفع سقف النص في ترابط فقراته ،
والجمل الاعتراضية بتكرار اللازمة تلك منحت حوارًا جانبيًا ، فهي نقاش جانبي ملازم للمعاني الأساسية ، فيها مباشرة التبرير والتفسير والدفاع عن الذات .
للجمل الاعتراضية بالشعر العربي وظائف كثيرة ، ونستطيع من خلالها إثراء النص بتقنياتها وتوظيفها ، وإذا كانت بلمسة جيدة من التوزيع الشعري فإن النص يعلو بها أكثر.
،
عصام مطير البلوي
الرسمة الملحقة للفنانة المعاصرة الأمريكية sally swatland