محاولة في فهم السفالة ..
حين تعجز أو تعي ضمنيًا أو وجدانيًا بأنك عاجز باللحاق بما يقدمه فلان في مجال ما ، فأنت في حالة امتحان نفسي لأخلاقك التي تدعيها :
فإما أن تبارك لتشارك
وإمّا أن تتصرف بصبيانية لأنك غير قادر على مواجهة عجزك ، فحجم الغطرسة والتوهم الضخم في ذاتك يحولان بينك وبينها.
تبدأ نقطة التغير الحقيقي للأفضل والأعمق والأقوى ، في اللحظة التي تواجه ذاتك وتعرف ما بها من طباع سيئة وبرمجيات بهيمية تمنعك من التطور الفعلي.
إن من أهم و أخطر السفالات الاجتماعية المنتشرة في أوطاننا العربية سفالة عقلية المقارنة المستمرة بين شخصك/قدرتك والآخر الذي يمر بجوارك
هذه البرمجية جعلت الكثير يعيش في حياته بطريقة المناهضة والمقاومة والتكسير ليتحرك للأمام أو على الأقل ليريح نفسه فعليه أن يعيق حركة الآخرين️.
إن الكثير لا يرتاح إذا وجد من يعرفهم يبتسمون !!!
أو إذا أبصرهم فجأة يتقدمون عليه ، أو يتغيرون في مسارات حياتهم أو يذهبون لمجالات لا يتقنها فذلك يعني عنده أنه يعاني من شيء لم يكتشفه أو يشعر فيه إلا حين رأى فلانًا على غير ما يتصوره بذهنه ، فقد كان يشعر بالراحة لأنه بتصوره أقل منه .
هذا باختصار هو : (الحسد)
هكذا يفكر غالبًا من ينتابه هذا الشعور القذر …
ولهذا ينتشر في مجتمعاتنا ولا يزيله لا لبرالية ولا بطيخية
هذا الجانب أو البرمجة بطريقة التفكير والحياة والعيش ، تحتاج لهزيمتها إلى نهضة فلسفية في فهم الحياة وإلى تربية نفسية سلوكية لضبط المشاعر وتحتاج المزيد من التحرر من قيود وروابط العلاقات الاجتماعية .
الكثير قد تجده يهاجمك أو يسخر منك أو يقلل من شأنك لا لشيء إلا لكونك من مدينته او من قبيلته !!
والسبب أنك جزء من تركيبة مُضِيّهِ بالحياة ذلك المضيّ الذي اعتمد من بداية حياته على برمجية المناهضة والمقاومة والتكسير…
ومن جانب آخر في محاولتنا لفهم السفالة ،
أقول :
إن الانطلاق نحو الحياة ، التوهج والإشراق الذي يدفعك بتلقائية للثقة في إمكانية تحقيق الأفضل ، وقيادة الطريق لا أن يقودك هو ، والانتشارَ بوجودك في زوايا مختلفة تعبّر عنك ، وتكرّس انفراجها وحدّتها من أجلك ،
إن جميع ذلك أو أغلبه
يبدأ بمعرفتك وفهمك للعراقيل والقيود التي تمارسها أو تؤيدها بوعي أو بلا وعي منك ، يبدأ بفهمك سيكولوجية/نفسية الخوف والقلق ، وعقليتك وما تريده فعلًا .
إن الشتات والإذعان للرياح وملاحقة كل سراب ، والانحناء والتخفي والكذب ، يعملون جميعًا في خدمة الخوف وتمكينه منك بفرادة وتميزٍ خطير ..
لقد كتب الخوف على نفسه أن يكون قرين كل حسود طماع ، وكل مغتاب نمام ، وكل ساخر يحتقر الناس ولا يرى فيهم إلا سنارةً للضحك الأفيوني .
إنّ الخوف أيضًا قد يأتي على هيئة سوء فهم لهذا الكون وطبيعته ، وعلى شكل تضاريس وطقوس تفكيرية مكتسبة من محيطٍ متشبعٍ بلغة الجبن والوضاعة
وقد يقحمك باعتقادات وهمية لا قيمة لها ، ومن الممكن بلا أي أدبٍ أن يتقمص دور الروائي فيَحِيكُ الكوابيس في مناماتك
ثم إنه لا يمتنع أبدًا عن مفاقمة ذاته بعد ذلك من خلال الجهل ، وما أن يرسخ في شخصيتك ، فإنك في دوامة لا ينجيك منها سوى أن تفهم ، أن تستيقظ …
إنَّ مواجهة الخوف حربٌ طويلةٌ ضد تخرّصاتك الخاصة ، ضد سوء فهمك ، ضد سطحيتك ودناءتك واهتماماتك الوضيعة الوضيعة …
إن القلق في أصله خسة مسّت عقلك أو تراكمت لتظهر ، فالطفل ببراءته قد يخاف وخوفه غير مسيطر عليه فسرعان ما يزول ، لكنه أيضًا أي الطفل لا يقلق.
القلق يشي بخديعة ما، بتلوث تتعرض له باستمرار، وقد منعك استخدامك لعقلك بسطحية وممارسات الدناءة أو مجاملتها في معرفة تلك الخديعة أو ذلك التلوث
إنه لا يشي بخديعة أو تلوث فقط ، بل يشي بعدم انسجام بينك وبين حياتك كلها أيضًا ، ولعله أي القلق منشقٌ عن قبيلة الخوف يريدك أن تستيقظ وتبصر
ولكن مثل تلك الوشاية الحميدة جدًا ، نتعامل معها بطريقة خبيثة لا مثيل لها،
إذ نقدّم على نداء البحث والتعمق ، مهمة إيذاء الآخرين أو التنمر والتسلط ، أو التوحش والقسوة عليهم لنشعر بقوتنا ، ونبدد بذلك قلقنا
نتحول لوحوش على الآخرين ، لنهدأ ونستقر .
نذبح النجوم لنرضي الظلام العابث بصدورنا ، ونفتخر بكل اعتداء وسفالة لنخفف شعورنا بالاضطراب الوجداني
نتعامل مع القلق بأسلوب ، دعني أنتقم من كل الذين مروا بذاكرتي لأهدأ ويزول،
وكم من أولئك بلا ذنب ، بلا خطيئة تستحق كل تلك السفالات…
عصام مطير البلوي
مقالة نقدية اجتماعية
الرسمة الملحقة للرسام الأمريكي توماس موران Thomas Moran واسمها الشروق