قصص قصيرةنثر

لم يجبني ..

حاولتُ مثل كل الذين رأيتهم يفعلون ، أن أنسجمَ مع الجدار فلم أستطع ، ولقد نزلتُ إلى رئتي وقلت لها ما يضيرك لو كان ما حولي جدرانًا لا تهمس ، نزلتُ إليها حاملا معي دموعي . 

( الحويصلات الغنائية لم تعرني أي اهتمام ، وأما القصيدة فبيني وبين روح الشعر منذ أسابيع صراع كبير)

(اقترب نحوي ، أراني الشعلة التي كانت ) 

( إنها شعلة في قبو ، تنادي من بعيد ، ولأني مترع بالوهم الجريء ، اقتربت ، لا لأزيد من حدة ندائها ، بل لأنال دفء شيء يحترق ، يشاركني هذا الألم ، ولا أظن شيئا مثل النار ، يحمل هذا الكرم في العطاء  ، وإن كانت هي تتوهم قدرتها على بلوغ السماء فإنني لا أتوهم ذلك فقط ، بل أتفوق عليها بإشعاله مرات عديدة . 
أصطف ، في قلبي المحترق ، ها هو النفس الأحمق يأخذ قسطا من رئتي لأناله وقودا لحرقة لا تنتهي ، وهناك على امتداد خاطري ، رمادُ خطاي في كف الريح ، وقهقاتُ المدى ، وكتابٌ على قارعة الخيال مهمل ، ودَّ لو أنه يحترق لكن للمرايا حاجز عن ولوجه عالمنا . 
كيف يلوحُ الأفق وقد انغمست تماما بالعمق بعد كل هذا المشوار الطويل من التفكير الزائد عن حاجة الكلمة للظهور ؟
أدرتُ رمقي الأخير الذي جاء خوفا نقيا، لا يشاركه أي شعور من الممكن رصده، واقتربتُ بكلِّ ما فيَّ نحو جفني شعلةِ القبو التي ذكرتُ ، فأطلتُ حدة الأمل ، يا صاحبي ماذا سيفعله القدر وللمرء في خلاياه ما لا يعلمه ، عاد الصدى نحوي ، والغروب حينها أعظم مما فعلته الشمس طيلة تاريخها ، لقد عاد يلومني إذ لم أقل لروح غادرتني “لا ترحلي” ، وتجلّى حينها روحُ الشعر قائلًا اكتب فكتبتُ و عهد الماء بيننا يكبر .)

قلتُ: ألمي ، يا أبتاه أعاق ذاكرتي، وقد امتحنت المدينة أدق الرموز .

( نبتون الكوكب القلِقُ يعد وليمته على طاولة الفلك ، وعيناه مكتظتان بروايتي السحرية )

أشرعت رئتي وقلت : ماذا تخاف وأنت أنت ؟

قال : ما الذي جاء بك يا بُني العاق ؟

قلت : العاق أم المفقود؟

( انتفض ،أجالَ وجهه الأزرق عنّي ، وأخذ يتمتمُ بلعنات المد والجزر على شاطئ الشعر الذي كان)

أعدتُ عليه سؤالي .

قال : لقد قطعتَ عهدًا وتركتَ بحرًا ، وأردَتْكَ الجدران ، انظر إليَّ ، لم أسلم منكم ، فيومًا أكون معبودًا ويومًا مهددًا بالنفي مثلما فعلتم ب ”بلوتو“ القزم الطريد .

( إن مثل هذه الجُمَل ، لا يقولها إلا صويحبي خلف الستار )

قلت : إن من لقنّك كل هذا ، أغواه ما لا أعلمه للآن .

صوت الناي يتعالي في أوداجي ، ولي بذلك ما للكنز من حظوة ، ابتسمتُ ظنًّا بأنَّ سحابةً ستمطر ، تنفستُ الصعداء ، توهّجَ الربيع في عيني ، أقبلَ الصبحَ وفيضٌ من الحلوى على وجنتيه ، أصبحَ كل ما بجمجمتي مهرجان يُتلى على مهرجان . كل ذلك في أهداب أهدابي ، وكما تُكسر زجاجة الفانوس بحجر ، وتنال نسمةٌ عابرة كل ما بالمكان من ضوء . تلاشيت بلا أمل ، وصوته في مسمعيَّ : لا تصدق ”الأرض“ .

قلت : نحن في صراع وهأنت تعبث بأفكاري ، أنا لن أعود .

( ثقب في قلب الصورة ، مأزق البرواز أن كبرياءه في مهب التأفف ، أبصرتُ ما تعنيه كلمة ”حُطام“ ، وها هي الجفون الزائغة تختال في محكمة بلا عمَد )

”سيدي القاضي هل تبصرني ؟“ بكل ما باليُتم من صمت أليم قلتها .

– حكمت المحكمة بأنك مخطئ وتستحق الشعر

”سيدي القاضي هل تبصرني ؟“ نطقت بها معي ذاكرتي.

( كانت ذاكرتي تعني شيئا مختلفا ، اقتادوني لمتاهات لا أول لها وأما هي فتصدح بالمدى، لم تكن معاقة كما اعتقدت)

” أهذه هي الحرية التي تزعمها“ بلغة نبتون هذه المرة قلتها لمخرج المشهد الكئيب .

قلت : يا ألمي الذي لم أفهمه ، كيف أعرتني كل هذا الحضور وأسلمتني للغياب ، من أنت؟ ما أنت؟


5 1 vote
تقييم الأعضاء

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض