مدخل :
على شغف النخيل ، وأغنية من الشمس تمتد في الأفق ، لم يكن للحظ لحن فأجرب فيه فكري ، فها هي الريح نائمة لم تستيقظ بعد ، وها هو المزارع الذي يقاسي من عطش في رئتي قد تخلى عن هويته واستحال نقشًا على صخرة كبدي ، وأنا كمظهر النهر، شظايا أفكار يجمعها طيف ضئيل ، أعي بمعونة من الوهج أنه ذاتي:
(أنا ) الإيقاع في طرب النداء ، كررتها مرارا ، لأصدق وجودي ، لا أقول ” مهلا لماذا الإيقاع وليس الكلمات ؟ ” أنا الإيقاع ، الإيقاع وكفى.
أخذت بجناحيّ ، التفتَ إلي بشري هناك ، أعرف جيدا ما يدور في ذهنه ولا يعلم عني سوى عطفه المشوب برغبة الإمساك بي .
إن له نظرة تختلف عنا معشر الطير ، إذ تأخذ من الزمن حيزًا أكبر ، ومن المكان مساحة مكتظة بالأفكار ، ومن العاطفة سرعة الإبدال لنقيضها ، لقد وعيت بهذا منذ أول محاولة له لقتلي ، إذ يبصر وتسيل روحه في تحديقه ، ثم ينقض جسمه ليهدم كل براءة شعت .
هيا جرب مرةً أخرى لقد عرفناك .
ممر :
جئت و الألوان هي كل العالم .. خطوتاي، زورقان مبحران في قوس قزح ، تصفق السماء للروابي ، وتكتب الوديان ملحمة الفرشاة ، وحيثما حطت نظرتي شربت من غدير الضوء ، وأنخت خيالي.
لا حاجة لي إلا بالالتفات ، وأكاد أكون الجنون الذي يخشاه العالم لكنني أحافظ على رقة المعنى بنغمة عابرة ، ونظرة مشرأبة الأمل .
منعطف :
يغدو الشعر ممارسة يومية في فن الهواء ، لا زمن يحد من شعور القافية ، فهي بالبداية ، وهي أيضًا تلوّح بحاجبيها في النهاية ، وأنا كل الصور العابرة ، إنني أحدق في المسافة تحديق المتأمل في راحة يده ، خطوطها وإن كانت بلا معنى لديه فهي عندي قصائد بلا تدوين ، وذاك الحبر هويته بالسطور وأنا هويتي بأن أنعطف وأتجه وآتقدم .
مخرج :
ما يعنيني دائما هو الأفق ، إنه اسمي الخاص ، ومن يحيا للمكان لا يضنيه زمن .
– ماذا عنك ؟ يا كاتبي ‼️
أنا ؟
أنا جئتُ من المقبرة أحمل على رأسي صخرةً ثقيلة بعد أن غادرتني الحدائق ، ودواوين من الابتسامات كنت أحسبها ذاكرة لا تزول ، وأما الحديث الذي تجهر به الظلال فقد تشظى ، وتآكل واندثر .
اليومُ – في رفقة “لا ونعم” معًا – يأخذ شكل الكلمات المتقاطعة ، وعليّ أن ألزم نفسي منه صاعدًا إلى أفق مجهول ، بأن أعترف بحقيقتي ، في كوني تائهًا ، هاربًا ، وحاقدًا على الطريق والرصيف والباعة المتجولين والسيارات والإشارات واللغة ولربما أيضًا على الشعر ذاته .
لا أعلم ما الذي تحديدًا أيقظ الكبريت وأناخ العتمة ، ولا أريد بذل أصابعي في تصفيف افكاري ، فما يشدني الآن هو أن أنصت لغضبي ، أن أعترف بشيطاني ، أن أمنحه الطمأنينة التي قيدته عنها ، فنال مني ومكّن الفأس والحطاب من مخيلتي ، واقتاد شعوري اللطيف جدًا لشراذم خلقتها المدن أقنعةً ودفعتها نحوه بمعجم ضخم من الكذب والخداع .
ألا يحق لي هذه المرة أن أكون عصفورا ، مثلك ، يهتف لبراءة الكون ، ويغرد للبقاء على قيد الطبيعة ؟
– يا لك من وهمٍ عظيم ، أصدّقه ولا أصدّقه ‼️
عصام مطير