في مأوى الظل ، مع أول بادرة للهمس ، جاءني حاملًا إرشيفي الخاص :
- ماذا حلَّ بك ؟
(هدهد النسيان كان على الساقية يسترق العطر ، وقد انتبه له شيطاني فأوعز بالصمت)
أخذنا من الأغصان حكمة الندى فسكبناها ، وأطلنا النظر بعشر عجافٍ مررن وأوهامي تخيطُ الدروب وتطرّز المدن ، ممعنةً بفحصي جيدًا ، وهي في ذلك على مساعدة بالخفاء يرمي بها شغاف الليل الذي كان ومازال آمنا في سربه معافىً في جسده عنده قوت قلبي ، وقد أدرك أن مهمتي هي هندسة الأمل ، وما من حيلة لمخيلتي إلا حَبْك الأماني.
- هأنتَ تعترف ، ليس أنا بل أنت
( انتبه الهدهد ، قفزتُ بخاطري خطوتين للخلف ، أمسكتُ بشفة الإلهام ، ودمعتاي تائهتان في الأحداق )
قلتُ : لقد أقسمتَ أنَّ الدخان المتعالي من حطب الإيقاع يشفيني !
(لم أنطق بها ، لكنه استيقظ عليها)
بجوار “النهر” الأسير ، أحمل حقيبةً من الفشل المرصّع بالغناء ، و ما أبصره من صوت وما أسمعه من صور ، و الأرصفة والمرارات ، يدًا وساقًا ، ببطءٍ لم تكتشفه السلاحف بعد ، أتسلقُ الزمن ، وحيدًا .
أطرقُ باب شقتي ، وأفتحه ، تستقبلني قريةٌ جريحة ، وأخرى قضت نحبَها ، وبعد ساعتين من ترجمة اللهب ، أراك ، ولا وطن .
- لكنك اقتربت
(لم ينطق بها لكني استيقظتُ عليها)
قُتِل البئر البارحة ولم يعلم به أحد ، وإنه لواجب علي نعيه ، وذكر محاسنه ، بيد أنه ليس وحيدًا في هذا الموت العارم ، فقد أُخِذت القوافلُ واضمحلت الروح ، وما أنا فيه لا يقلُّ عن لفظٍ مهجور ، فمن ذا سيأبه ، وإن كنتَ ستقول (أنا) فقد أقسمتَ فخذلتَ حدسي .
- لكن الخيال لم يمت
(قهقه الهدهد ، رمى شيطان شعري بذهوله نحوي ، أخذتُ بناصية اللون ، وعاتبت جفني )
قال الهدهد : كلاكما عبء على الذاكرة ، أنت في حسرتك ، وصاحبك في العجب.
- ما للنسيان والحياة ؟
(اقتحمتُ الهامش واقتربتُ من رقم الصفحة )
أدار الهدهد وجهه ، فانقضَّ عليه بسؤاله مرةً أخرى :
- أجبني ما للنسيان والحياة ؟
(حلّقَ الخط الفاصل ، والحبر في كل الصفحة) :
لتبقى