أقبلت كتائب الليل وعلى مناكبها أخذ الهلال يلوح لي بحاجبيه ، وقد نالني منه موعدان من الخيال وعشرات اللقاءات المفقودة المتأمَّلة.
أنا عالق بشاشة الجوال منذ سنوات ويأتي اعترافي هذا إدراكًا للفارق بين شخصين عشتهما كان الأول فيما أعتقد ، أشد براعة وجرأة على مداهمة الفراغ واختراع الأُنس ومواجهة الأتربة.
لقد اتخذت أصابعي قراراتها المستقلة في عشوائية الحرب والسلم حين هطول الظلام ، فكوني من مدمني الشاشات بشخصي الحالي قد شظّاني وأعاد تعريف اللسان والفعل ، فتطبيق يتلوه آخر إلى أن مررت على قوقل بطريقة الكلمات المتقاطعة ، أرمي حروفي العابثة أو مفرداتي العابرة وأدع الذات الآلية ، للحضارة المعاصرة تحدد ما أود البحث عنه ، وهي الطريقة التي تزعم أنها متوسط ما عليه البحث في منطقة أو أمة ما ،
ولقد داهمتني لحظات غبارية من ذكريات الاستكشاف لعالم الشبكات في بداياته ، وما أن صحوت من هيمنة الطقس وتحسري على شخصي الأول ، بادرني قوقل : بتفسير حلم اليد ،
بعد أن نقشت “اليد” في خانته اللئيمة ، وجعلته يقرر كيف شاء ، وجهتي :
يقول النابلسي: هي في المنام إحسان الرجل وظهره وسنده، فمن رأى أن يده طالت وقويت وكان والياً فهو ظفره بأعدائه، وقوة أعوانه….
نظرت إلى يدي ، ومنحت التشظي بداخلي فرصة السؤال ، ماذا كانت عليه يدي في مناماتي ،
“لا أذكر شيئًا ” ، وعلى تلك الجملة تمدد شرياني وأنا أفكر بأحلامي التي عادةً ما تكون بالطيران وليس هناك ما يخص يدي/كفي وأصابعي / سوى أن ذراعيّ أحلق بهما ، الحقيقة أنني جربت الطيران كنسر وكعصفور ،
وشعوري السعيد بكوني أطير أهم من تفسيره .
لقد حققت الحياة درجة من الوجدان البريء المتبلد ،-أو ربما المهتم فقط بكونه يتدفق – تدفعني للاعتقاد بأن الحلم جماله بالشعور وغايته أن أتجاوزه وأمضي ولم يعد للنابلسي وفرويد تلك الجاذبية .
هل أمر بطيف بدائي من الانعتاق ؟
لست أدري ، لكني أتقدم ، وأحاول أن أتقمص حياة الهلال إذ يضمحل وينمو ، ولا يكترث .
عصام مطير
الرسمة الملحقة Aert van der Neer, Moonlit Landscape With Bridge, c.1640