إن العين التي لا يرى من خلالها أحد هولاء البشر عينٌ تخلصت من ألم الصمت على ذلك الزور والكذب
الذي يمارسه صاحبها
فلقد استطاع الانسان أن يمارس التضليل والتشويه والتزوير لأي صورةٍ وصلت إليه من هذه العين الصادقة
المؤمنة التي لم تعرف الكذب قط..
ومن جحوده وأنانيته وانتهازيته وحقده وغله وهوانه لا يكرر سوى قصة الخداع البصري ليجعلها حقيقةً
مطلقةً معممةً يرضي فيها ذاته صانعة الأكاذيب..
وليصرخ بكل مافيه مفتخراً ومتباهياً بأن ما يقوله ويردده ويكرره لو لامسه تزوير وتشويه وتضليل منه فليس هذا إلا لأن
عينه ليست محل ثقة
ثم يتمادى بحقده على عينه فيدفعها لأن ترى وتبصر ما لا تود وما لا تحب ثم إذا ما نقلت له مارس غشه
وكأن الغش ما كان بهذا العالم الا منه بل هو كذلك..
فيتلاعب بأوصافه ومفرداته وألفاظه حتى تحسبها حقيقة وهي قطعاً ليست كذلك إلا بجزءٍ يسيرٍ منها حال إلتزامه بأقصى درجات الصدق والوضوح..
فلا تجد وصفاً لحدثٍ منظورٍ بعين أحدهم إلا وهو مخالفٌ لوصفٍ ذكره شخص آخر لنفس الحدث فكلاهما
يمارس إهانة عينيه بطريقته الخاصة وبأسلوبه الذي يعكس ذاته!
وتجد أن أكثر الناس ميلا لظلم أعينهم هم أولئك الذين يعيشون في مجتمعاتٍ تخشى الضوء وتكرهه لكونه
يُظهر كل الدمامة والقبح المنتشر فيها كالرمال بالصحراء ..
فلن يكون غريباً أن تجدهم يصفون الظلم عدلاً والتكبر تواضعاً والموت حياةً والكذب صدقاً والحماقة حكمةً
وما من صورة إلا وقُرِئت بشكل مخالفٍ لها
ويجرحهم ويؤذيهم ويهينهم من يخالف كل هذا الفسق والفسوق ولو بأجزاءٍ بسيطة وحقيرة جداً فإن فعل ذلك جاز لهم بل وجب عليهم أن يعاقبوه ويؤذوه بقدر ما زاد صدقه ووضوحه
إن الصدق والوضوح مؤذيان جداً بكل المجتمعات البشرية
ولكنهما في تلك المجتمعات الكسيرة الكسيحة أشد وأعظم وأمرّ..
فمن هذا الذي سيمتنع عن إيذائك وأنت تحدثه عن قبحه ودمامته وهو الذي يُمجَّد آناء الليل وأطراف النهار بأوصاف الحسن والجمال؟!
إن الكلمة رهينة المجتمع كما أن العين حبيسة الفرد الذي يؤذيها بكذبه فلا تستطيع أن تعلن ثورتها عليه وإنها لو فعلت ذلك لاستغنى عنها وفضّل العمى..
فيا لهذا الأعمى الذي تخلصت عيناه من آلامهما وتخلّص هو من أعظم أوزار البشرية..