نثرنصوصخواطر

اعتراف تمّوز..


لَحْظَةٌ، وها هيَ الشَّمْسُ تَتَعَرَّى مِنَ الخَجَلِ، سَاطِعَةً كَمَوْقِدٍ اسْتَشَاطَ غَضَبًا، وَحَرٌّ يَنْفُثُ غَيْظَهُ فِي أَحَدِ نَهَارِ تَمُّوزَ، لَمْ يَكُنْ عَادِيًّا، فَمَوَاجِعُ المَخَاضِ تَخْتَلِطُ بِالبُكَاءِ، وَزَفَرَاتٌ تُسْمَعُ صَدَاهَا بَيْنَ زَوَايَا الجُدْرَانِ. سَتَأْتِي بَشَارَةٌ تَطْرُقُ عَمَّا قَرِيبٍ؛ هُنَاكَ َترَقُّبٌ، خَوْفٌ، قَلَقٌ… كُلُّهَا مَرَايَا تَصْطَبِغُ فِي الوُجُوهِ. لَمْ يَكُنْ مَا يَكْفِي مِنَ الانْتِظَارِ، أَوْ لِقُوَى الصَّبْرِ، سِوَى الانْتِظَارِ. وَذَاكَ البَابُ مُوصَدٌ بِقُفْلٍ مِنَ الدَّاخِلِ، لَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ إِلَّا لِيَخْرُجَ، سَوَاءٌ البَشِيرُ أَوْ حَتَّى النَّذِيرُ، مَلَامِحُ يُسْعِفُهَا نِدَاءٌ. وَهُوَ فِي خَانَةِ التَّرَقُّبِ…

فُتِحَ البَابُ…

بُكَاءُ الوَلِيدِ يَعْلُو، وَتَكْتَسِي هَوَاجِسُ العُيُونِ بِالفَرَحِ، وَهُنَاكَ فَرْحَةُ أُمٍّ يَغْزُوهَا َوهَنٌ، وَشُعُورٌ يُحِيطُهَا أَلَمٌ، وَبَقَايَا مِنَ القُلُوبِ يُسَاوِرُهَا الاطْمِئْنَانُ. وَتَمُّوزُ يَبْزُغُ بِالبَرَكَةِ، وَيُطْفِئُ الشَّوْقَ الجَامِحَ فِي الأَفْئِدَةِ. أَيَا تَمُّوزُ، لَقَدْ أَتَيْتَ بِالسَّعَادَةِ مُنْزَلِقَةً مِنْ بَقِيَّةِ الشُّهُورِ، رَوَيْتَ مَوَائِدَ الأَفْرَاحِ مِنْ بَعْدِهَا لِتَفِيضَ. هَلْ أُحَدِّثُكَ عَنْ أَنْصِبَةِ البَسَمَاتِ المُزْدَهِرَةِ فِي العُيُونِ، أَوْ تِلْكَ الضَّحِكَاتِ المُتَرَسِّمَةِ فِي الوُجُوهِ؟ كُلُّهَا تَسَامَتْ فِي الزَّمَانِ.

أَنَا تَمُّوز،

أَنَا مِنْ نَخَلَ الصَّبْرِ فِي أَقِياضِ النَّهَارِ، وَانْبَرَتِ الشَّمْسُ لِتَسْكُبَ وَهَجَ أَنْوَارِهَا فِي ضَحَّاتِ الأَرْضِ. ذَاكَ الصَّبْرُ مَجْدُولٌ عَلَى رَقْعَةِ النَّفْسِ، يَرْتَجَى فَسْحَةَ الأَمَلِ، هُنَاكَ حَيْثُ بَخْسُ الْأَلَمِ قُدْسَتُهُ. وَالْبَابُ يُطْفِئُ رَمْقَ النُّورِ فِي النَّظَرَاتِ التَّائِهَةِ، وَصَوْتٌ يَهْتَزُّ فِي أَثِيرِ الْأَسْمَاعِ بِالْحَيَاةِ. فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ قَسْوَةِ الْمَلَامَةِ الْمُتَشَظِّيَةِ فِي الْقَلْبِ، الْكَامِدَةِ مِنْ عُسْرِ الانْتِظَارِ.

أَتَلُومُنِي بِأَنِّي جَنَدَلْتُ قَوَافِلَ السَّاعَاتِ الْمُتَتَالِيَةِ؟

لَسْتُ حَزِينًا عَلَى الرَّحِيلِ الْغَادِرِ مِنْ سَفْكِ الأَعْوَامِ، فَقَدْ تَوَرَّدَتْ بَقَايَا أَيَّامِي مِنْ خَجَلِ الثَّنَاءِ، وَأَطْرَبَتْنِي رَغْوَةُ الْمَدِيحِ الْمُنْتَفِخَةِ مِنْ ثَنَايَا قَلْبِكَ، وَاِكْتَفَيْتُ بِسَايِسِ الْفَرَحِ الْمُتَدَفِّقِ مِنْكَ. لَقَدْ أَشْعَلْتَ فِي قُبُوِّ وَهَائِجِي فَتِيلَ الاحْتِرَارِ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيَّ وَطَأَةُ الْعُرَاةِ الْمَغْمُوسَةِ فِي خَبَايَا الشَّمْسِ. لَكِنِّي رَاحِلٌ إِلَى تِلْكَ السِّنِينَ، لِأُعِيدَ ذِكْرَى الْمِيلَادِ لِقُلُوبِكُمْ

0 0 votes
تقييم الأعضاء

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض