لا تفسر لنا عبارة جان كوهين :
"أصبح الشعر أكثر شاعرية مع تقدمه في التاريخ"
جان كوهين - بنية اللغة الشعرية
أقول لا تفسر لنا هذه العبارة الأسباب التي تعمل بهذا التغير الملحوظ في بناء الشعر تاريخيًا ، فهي عبارة ملاحظة لا عبارة تفسير ،
وقد تكون متأثرة بالذوق أو محدودة بلغة ومجتمع ما ، على أن هناك ما يجعلها مقبولة لو أنزلناها على مستوى الشعر العربي لوجدنا تقدم شاعرية العصر العباسي مقارنة بالجاهلي ، وتقدم شعر الإبداعيين (العصر الحديث) بالشعر التقليدي الذي قاده شوقي وأشباهه.
لكن ما الذي يدفع نحو تقدم الشاعرية بالشعر؟
يظهر لي مبدئيًا التمدن والتحضر الذي كثّف التواصل بين الناس وأشعرهم بحاجة لتذكر الطبيعة في ظل الانحباس عنها جزئيًا في عالم الجدران ، بالإضافة لوجود عوامل أخرى تخص وظيفة الشعر ،
فالشعر عند العرب كان خطاب القبيلة وصراعاتها ، قبل الحديث عن شخص الشاعر وقصة حياته ، ثم أخذ بالتطور نحو غرض الشاعر أولًا ، وعلاقاته مع المجتمع الأكبر والسلطة ، وتطور الدراية بالأساليب المحبوبة للجمهور مع تراكم التجربة الأدبية ، وكل هذا كبُر مع رغبة التجديد وتحدي الذات ، وما للغناء ذاته من ظهور وتطور بالمجتمع ، لكننا الآن في المنحنى الذي اتجه بالشعر للانحدار بعصر الشاشة وبتقديم الفنون النثرية(القصة،الرواية) عليه.