وها نحن في الأربعين...
 
الإشعارات
مسح الكل

نقاش وها نحن في الأربعين معًا - مريد البرغوثي

User Avatar
(@essammutair)
Estimable Member Admin
التعبير
المقام السادس
Points: 515974
انضم: منذ 12 سنة
المشاركات: 66
بداية الموضوع  

قرأت بديوان مريد البرغوثي (الأعمال الشعرية الكاملة - المجلد الثاني) هذه القصيدة : في الأربعين ، ص ٣٢-٣٣

وها نحن في الأربعين، معًا
غيرَ أنّي أسيرُ إليك، بعيدَيْنِ
لكن خُطاكِ تحاذي خُطاي
وهذا الرماد الذي يعتلي مفرقينا
كذبنا عليه مرارًا، ويكذب دومًا علينا
كأنّ الزمان رياح على جمرتينا
حديثُكِ شمسُ الشتاء وصمتُكِ ليلٌ وناي..
وعيناكِ مسألةٌ في الحسابِ
تحيّرَ فيها سوايْ..
وما زلت لا أشتهي أن أكون أقل ارتباكًا
إذا صافحتني يدك
أو أقلَّ فجورًا إذا عانقتك يدايْ

القصيدة شعر تفعيلة مبنية على البحر المتقارب ، ولقد منحها الشاعر عمقا في صناعة الاحتمال والترميز ، لننظر :

مطلع النص بـدأه بالواو التي هي إما أن تكون واو عطف أو واو استئناف ولا يصح بها أن تكون واو رُبّ ، التي هي عادة العرب بأي نص مطلعه الواو أن تكون بمعنى رُبّ ، وبهذا فإن النص بدأ بداية تتناسب مع هوية الشعر العربي المعاصر ونزعته الحداثية في هدم البنية القديمة ومنح القيمة الحالية مكانةً ، فالواو عطفا أو استئنافا لم يسبقهما جملة وبهذا فهي تشير نحو الاستمرارية الزمنية وأهمية اللحظة الحالية انطلاقًا مما سبق وقد ناسب هذا فحوى النص ، وأيَضا جعلنا نشعر بأنه جزء مهم مما بينهما وأنه نص يمنحنا تركيزًا للحدث الآن وما وصل إليه الاثنان (الشاعر وزوجته ) ، وقوله (وها نحن) الهاء للتنبيه ونحن أكد الخطاب لها ، فالنص موجه نحو امرأة الشاعر ، وقوله (في الأربعين معًا) منحنا استمرارية مع ما هو محذوف من مطلع النص ( ما قبل الواو) .

الرمزية الروحية للحب في قوله :

 

"غير أني أسير إليك ، (بعيدين) لكن خُطاك تحاذي خُطاي ."

 

[هذه نزعة الحب نحو الذوبان بالآخر ، ومع أنها معه وخُطاها تحاذي خُطاه (في طريق العمر الذي يسيران به) إلا أنه يجد نفسه بعيدا ويتجه نحوها ، إن هذه براعة لتبيان الحب مجازيا وبمعاني روحية عميقة ]

 

وقوله : 

وهذا الرماد الذي يعتلي مفرقينا
كذبنا عليه مرارًا، ويكذب دومًا علينا

 

لا شك أن الرماد هنا بمعنى الشيب ، وهو دلالة على الزمن الذي سيأتي ذكره بعد هذا الفقرة ، وقوله كذبنا عليه ويكذب دوما علينا ، يعني به حالة الإنكار والرفض ، إنهما يرفضان تقدم العمر فيكذبان وهو يرفض تقدمهما كذلك فيكذب أو يخادعهما وهذا الاحتمال الأصح ، وسيجد المرء بقراءته لهذا السطر ما يشير لضعف العلاقة بينهما فالمشيب أيضا يمس هذا الحب ، لذلك سنجد الشاعر ينفي هذا المعنى بعد قليل 

 

كأنّ الزمان رياح على جمرتينا
حديثُكِ شمسُ الشتاء وصمتُكِ ليلٌ وناي..

لقد خطُر بالنص الزمان منذ البداية ، فالواو والتنبيه وحذف ما قبلهما ثم ذكر العمر كل ذلك يجعلنا أمام نص زمني ، نص يعالج فكرة الزمن أمام الحب ، الإنسان بعلاقته الزوجية/العاطفية أمام الحياة رياح الحياة هي الزمان ، وها هو التشبيه يجعله رياحا تشعل الجمر وتُذهبه رمادًا ، وقد أحسن الشاعر أن جعل الزمن بمعناه الخاص عنده ، حديثها (النهار وبمعنـي الدفـء نهار الشتاء ، شمسه) وصمتها (الليل، لكنه بمعية الجمال "الناي") 

ثم يستمر الشاعر في إبداع معانيه الغزلية الرقيقة :

 

وعيناكِ مسألةٌ في الحسابِ
تحيّرَ فيها سوايْ..
وما زلت لا أشتهي أن أكون أقل ارتباكًا
إذا صافحتني يدك
أو أقلَّ فجورًا إذا عانقتك يدايْ

 

لقد جاء بخيال رفيع بديع بأن جعل عيني محبوبته مسألة حسابية لكنها محلولة له فقط ، إنه معنى يشمل الوفاء والفهم والانسجام ، 

ومازال الشاعر كما ختم قصيدته ، يرغب بها ، مع قلق الزمن الذي بدا في قوله [لا أشتهي أن أكون أقل ارتباكًا] فهو يعلم أنه يخشى الذبول وكذلك أيضًا أراد إثبات توهجه المستمر نحوها من خلال تأكيد ذلك في نصه .

Screen Shot 2020 03 13 at 6.40.13 PM

 

 

هذا تحليل أولي للنص ومن لديه إضافة لأي جمال آخر يراه بالنص فليتفضل ....


   
اقتباس
شارك:

🕶 كن معنا !

الإبداع ثقافة وتواصل . اشترك للحصول على أحدث منشوراتنا الأسبوعية في صندوق الوارد الخاص بك. لن نرسل لك بريد عشوائي هذا وعد. أعرف المزيد في سياسة الخصوصية الخاصة بنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض