فِي ذَاكَ الفَرَاغِ مِنْ زِنْزَانَتِي...
بَيْنَ وُشَائِجَ تَنْتَابُنِي بِلَيْلِي وَأَمْسِي،
وَأَطْيَافٍ تُصَارِعُنِي بِخَبَايَا السَّهَرِ وَالضِّيقِ،
فَأَسْمَعُ صَرَاحَتِي تُنَاجِي وَحْدَتِي:
هَا أَنَا تُحِيطُنِي القُضْبَانُ،
كُنْتُ... مُنْغَمِسًا فِي وَدَاعَةِ الحَقِيقَةِ،
المُزْعِجَةِ لِخَصْمٍ لَمْ يَتَوَرَّعْ عَنْ افْتِرَاءِ أَقْوَالِي،
وَإِنِّي دَسَسْتُ النَّصِيحَةَ بَيْنَ قَلْبِي وَلِسَانِي،
وَأَقْرَرْتُ بِأَنَّهَا نَبْعٌ تَحَدَّرَ مِنْ كِيَانِي،
وَعَزَمْتُ عَلَى مُفَارَقَةِ الكَذِبِ النَّاكِرَةِ لِجَمَائِلِ أَفْعَالِي،
كَالْهَامِدِ بَيْنَ الظَّنِّ وَالنِّسْيَانِ!
---
هُنَاكَ تَتَجَلَّى هَمْسُ الثِّقَةِ لِتَرُدَّ عَلَى تَسَاؤُلَاتِي:
أَتَجْلِسُ بَيْنَ الوَحْدَةِ وَالقُضْبَانِ؟
وَتَرَكْتَ صَنَائِعَكَ يَنْهَشُهَا العِتَابُ،
وَاحْتَفَلْتَ بِأُنْسِ الوَحْدَةِ الصَّامِتَةِ فِي زَوَايَا الحِيطَانِ،
وَقَدْ كُنْتَ تَفْعَلُ الخَيْرَ عَبْرَ الزَّمَانِ،
تُقَدِّمُهُ فِي بَوَاكِرِ الأَعْمَالِ، لَا تَرْتَجِي مَنَّةً، وَلَا مَدْحًا، وَلَا إِطْرَاءً...
كُلُّهَا تَأَخَّرَتْ عَنْ ذَاتِكَ النَّاصِعَةِ،
فِي عُرُوقِ التِّبْرِ كَالْخَائِفِ مِنَ الخِزْيِ وَمِنَ العَارِ...
أَنَا ثِقَتُكَ الَّتِي غَلَّتِ الطَّمَعَ، وَالعُجْبَ، وَالشُّهْرَةَ،
أَنَا نَهْرُكَ الجَارِي مِنْ نَوَايَاكَ الحَسَانِ،
اصْبِرْ عَلَى تِلْكَ القُضْبَانِ،
فَالأَمَلُ يَبْزُغُ أَيْنَمَا كَانَ.
يَأْتِي صَارِخًا مِنْ بَعِيدٍ... فَذَاكَ الخُذْلَانُ يُنَادِي:
لَا، وَأَلْفُ لَا...
قَدْ تَعَهَّدْتُ بِأَنْ أُرِيكَ تَعَاسَتَكَ،
سَأَقِفُ مَعَ أَقْدَامِ العَنَتِ المُقِيتِ،
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ مَعْنَى الخُذْلَانِ،
حَتَّى تَعْلَمَ حَقِيقَةَ الصَّرَاحَةِ فِي زَمَنٍ
يُغِيثُ فِيهِ الفَسَادُ وَالهَوَانُ.
وَسَحَائِبُ المُنَى المَاطِرَةُ مِنْ ثِقَتِكَ، لَهِيَ أَسِيرَةٌ فِي أَجْوَافِ القَلْبِ،
وَلَا تَسْتَقِيمُ عِنْدَ بَنِي البَشَرِ مِنَ الأَشْرَارِ وَالأَعْوَانِ،
حَاسِرَةٌ، وَتَسْتَعْطِفُ بَقَايَا الخَيْرِ المُوحَلِ فِي الأَحْزَانِ.
---
قُيِّدْتُ بِأَصْفَادِ الوُشَاةِ الطَّامِعَةِ فِي إِنْعَامِ السُّلْطَانِ،
تَجُرُّنِي جَرِيرَةَ أَنِّي نَسَجْتُ بِمَغْزَل الإحِسَان،
كُلُّهَا تَدْمَعُ بِعَيْنَيَّ،
لَسْتُ خَائِفًا مِنْ هَتْكِ المَوْتِ لِنَفْسِي،
وَلَكِنِّي أَرَى بَيْنَ الحُضُورِ بِثِيَابِ الفَخْرِ،
وَضَحِكَاتِ الأُنْسِ…
عُيونٌ يَعْتَلِيهَا الخُذْلَانُ!
