نثرنصوصالخواطر

الحب وحائط المبكى

كنتُ في زاوية المقهى حيث أذهب عادةً مع دفاتري كأصدقاء مخلصين،وكانت مرارة القهوة امتداداً لما يعتصرني من مرارات..
ألا ينبغي أن نرى جزءاً مما نعانيه أمامنا؟،
ألا ينبغي أن نتذوقه أو نلامسه أيضاً خارجنا؟
ألا يجدر بنا أن نتواصل مع مايشابهه لنعرفه أكثر فنفهمه ويفهمنا
أليس التلذذُ بالألم يدفعنا لمجاراته أحياناً فننساه ولو للحظات معدودة أو نتعود عليه فيكون جزءاً لا يتجزأ منا ؟

إننا حين نكرر القصة نهدمها لتكون ثرثرةً بلهاء ،
وحينما نجهش بالبكاء كل مرةٍ نقتل أجنةَ الدموعِ في أرحام أعيننا …

في تلك الفترة كنتُ أسجن بداخلي أول انسانٍ عرفته بذاتي ،
ولقد رميتهُ خلف القضبان عشر أعوامٍ متواصلة،ومنعته تماماً أن يظهر من خلالي …
كلما نظرتُ إليه لعنته وكلما نظر إلي لعنني ، لقد أضاع وحطم نافورة هيرون التي كنت أعتقد أنها مفتاح المستقبل.

إن الكارثة الحقيقية حينما تكون الحياة غير قابلة للإستمرار فجأة ، وتتآكل أمام ناظريك وأنت كمشلولٍ تأكلهُ كلابٌ مشردة مسعورة..
رمال الصحراء ترى المطر عدواً رغم أنه يقدم لها شرف الحياة …
شرف أن تكون فتاةً بثوب زفافها…

في تلك الزاوية جائت لأول مرة ٍ من ألبستها من أول نظرةٍ العصافير وألبستني  كذلك ،
جائت كأعظم مملكة تجتث كل الأسئلة والإجابات فليس لمثلي حين تجيء
إلا أن يتلذذ بالغرق .. ياله من غرق ذلك الذي ينجيك من الموت بمزيدٍ منه..

في تلك الأوقات كان الحديث كشفتين حين الصمت ، وهذا أجمل ما بنا ..
إننا رواياتٌ من ألف ألف مجلد ونحتاج لقرائتها سريعاً أن نكون متعانقين

لقد لفت انتباهي حينها كيف أنّ المشاعر الصادقة الواضحة الصريحة ممطرةٌ ولا تحتاج لأي مقدمات
وتعلمتُ بعد الرحيل أنّ المشاعرَ ذاتها تبقى كما هي دون ألمٍ يجتثها ويستبدلها بمقبرةٍ لا يسكنها إلا أحقادٌ لا تموت

في إحدى الليالي وفي ساعة متأخرة منها قررنا أن نطل على العالم ، وحينما نظرنا إليه قلنا سويةً: يالهُ من عالم قبيح يسود فيه النفاق والخداع والتملق والزيف والخوف والدجل

ولم نكمل مضغنا لما نراه ونتذكره فأيدينا لم تعط فرصة  للعالم أن يغزونا ، أوصدت الشبابيك والعالم ..
أمامي الان حائط الحب، وبجواره كان العناق يغرد فرحاً وطرباً ،
لقد كنا صادقين

ومازال الصدق يُظهر حجم الحب الذي رغم الرحيل يجعلنا نتواصل لنطمئن على بعضنا البعض…
هاهو حائط الحب هذا الذي كلما رأيته أيقظ بداخلي شعوبٌ من العشاق  السعداء  فلا حكومة تقودهم ولا شيخ يرشدهم 

كل حائطٍ ينطق بما جواره أو يستنطقه ما يحدث بجواره ،
ويا لتعاسة ذلك الحائط الذي لعنته السماء ليكون حائطاً يتباكى بجواره منافقٌ دجال ،ولصٌ محتال
إنه حائطٌ يئن من عجزهِ ويتمنى لو يسقط على أجساد هولاء الذين يتباكون..
ما لهولاء المغتصبين أنّى وجدتهم وجدتَ حائط مبكى؟!…

0 0 votes
تقييم الأعضاء

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest

3 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض