الألفاظ لا تعبر عن حقيقة حدث ما ولم تكن يوما سوى عُشر عُشر حقيقته حتى مع كمال صدقها لأن الحقيقة ذاتها لا يمكن للبشر استيعابها تمامًا فهي تمثّل عين الحاجة ومادامت كذلك فلن يستطيع البشر إدراكها .
وما الألفاظ إلا تعبيرُ الحاجة عن الحاجة الأكثر عمقًا منها حيث حين صياغتها لا تكون الأذهان تحت تأثير حاجة واحدة بل تمثلت الحاجات على الذهن الذي بذاته كان حاجة فصاغ ما صاغ بشكل لا يمثِّل تماما ما كان
وهذا ما يفسر
لماذا حين بلوغ الحاجة مبلغاً كبيرا يعجز الإنسان عن وصفها أو يصرخ أو يقول ألفاظًا غير مفهومة؟
لأنه حينها تحت تأثير حاجة ذات عمق أبلغ من قدرة ذهنه بوصفها ولن يصفها إلا بعد زوالها و سيكون وصفه منقوصا ولأن البشر اعتادوا على أن يكون وصفهم منقوصا ظنوه تماما الوصف وهو ليس كذلك
وهكذا كانت أوصافهم ليست الا عُشر عُشر الحقيقة ذاتها
فقال الصعاليك :
وماذا عن الأفعال ذاتها ؟
قلت:
نحن لا نخلق أفعالنا ولا نُجبر حين الأرادة عليها إنما تصوغنا ونصوغها وترسمنا ونرسمها كامتثال الحاجة للحاجة ولسنا نحن وأفعالنا الا جزءًا من وجود واحد
فقال صعلوك من المدينة تأثر بمنطق المدن بالعصر الحديث :
ماذا عن النفع والضرر او المنفعة والمضرة ؟..
فأجبته :
ما أصاب غيرك فلا تعتقد إنه لم يصبك بل إنه أصابك بصيغة أخرى في فترة ما أو سيصيبك لاحقاً بشكل وهيئة مختلفة ليلمس منك ما لمس من غيرك
فكل سرّاء وضرّاء وفق رؤاك ومفهومك حولهما قد أصابا غيرك كما أصاباك وان كنت تعتقد اختلاف المقدار والحجم فهو اعتقاد باطل
حيث أن مفهوم السراء والضراء مرتبط بذهنك بقيم معينة وبمقادير معيّنة ولكل امرىء منا معايير ومقاييس تختلف تمام الاختلاف عن الآخرين
كاختلاف البصمات بين البشر
فليست البصمات وحدها هي ما يختلف البشر فيما بينهم بها بل أيضًا المفاهيم وتصورها ومعانيها ومدى الشعور بها
فأي مصطلح أو مفهوم يختلف بين كل فرد منا حال تطبيق معناه ومقتضاه وتصوره والشعور به -جميع ما سبق معا- للفرد الواحد منا وبهذا يكون الاختلاف كاختلاف البصمة
وهذا الاختلاف للمفهوم بمعناه وتصوره والشعور به وليد عوامل خارجية كالبيئة والظروف الحياتية المختلفة من فرد لفرد وكذلك بنيته الجسدية ذاتها
وبهذا أيضًا فإن أوصافنا وألفاظنا التي نستخدمها مختلفة من حيث المعنى العميق وتصورها والشعور بها بين كل امرئ منا
ومن هذا ندرك
لماذا البعض يستمتع بآلامه أو ما نعتقد انها الآم والبعض منا يتوجع من أفراحه أو ما نعتقد أنها أفراح؟
ومع هذا الاختلاف بالأثر حال وقوع الحدث ذاته لي أو لك او لفلان أو علان
فإن كل سرّاء او ضراء تصيب فلان من الناس هي قد اصابتنا من قبل او ستصيبنا من بعد
كون الاختلاف المظهري لا يعني الاختلاف الجوهري من حيث الأثر الذي وإن كان مختلفًا حال تشابه الحدث
إلا إنه سيدفعنا لنفس النقطة المراد الوصول اليها بذواتنا بحدث ذي شكل وظهور اخر
عصام مطير البلوي
حديث الوجود