لا أورّطُ نفسي بنفسي حين تقع عيني على مرآة
وإنما أورّطها بشخصياتٍ تصنعها اللحظة ويهذبها النور وتصقلها الزوايا كيفما اتفق قبل أن تستقبلها ذاكرة جدُّ انتقائية في عقلٍ جدُّ انتقالي.
شخصيات ليس لها مفاصل كائنٍ متحرك لتعبر معي الأزمان، جامدة جمود الذكريات، لا ترقُّ للدموع التي تسألها بُسلطةِ الملح والماء أن تتغير.
شخصيات ستزورني يومًا وفي داخل بعضها ملامة على وعودٍ جاد بها الحاضر دون اعتبار للرصيد، ستزورني من غير أن تسأل إن كان الوقت مناسبًا للحديث عن الابتسامة المائلة في وجهي وهي تتشبث بآخر ذرّة كياسة يملكها المتحرّي عن الصدق، عن الوزن الذي لم أخسره وفي صدري تهافت، عن حاجبٍ رفعته رغم أنف الاعتياد وعن أشياء أخرى كانت أصغر من أن تُذكر والآن أكبر من أن تُنسى.
وفي هذا اليوم تحديدًا زارتني إحداهن، قروية، أزعم بأنها دخلت من كوب الشاي! كانت أقرب إلى الأرض مني رغم أني وجود وهي ذاكرة. زارتني ومعها حكايات قصيرة لا حبكة لها؛ لا بداية، لا نهاية ولا أعرف فيها موقفي. حدثتني عن ظل الرجل الذي ضيّعته خلف جدار العفّة رغم تتابع الحروب وعن موج الضرائب الذي سبق الرغبة بالسباحة. عن أدوارٍ صغيرة خسرَتها في رحلة البحث عن بطولة بمسارح العمل؛ أدوارٌ حين تتعثر لا تشمت ولا تحفل ونحن لا نضمن العمر بالتقادم ، عن التخمين الخاطئ نتيجة أن تُمنع “رسميًا” أسئلة جئنا بها لنتعارف. عن حلمها الذي تركت رعايته خوفًا من عصا الراعي الجديدة التي لا تفرّق بين الكبش والنعجة. عن قوةٍ تدفعها لتشكّل عائلة من أي حطام وفوق أي حطام رغم كلِّ الحفاوة التي تحظى بها الفردانية.
عن أشياءٍ تتعوذ منها في مجالس النساء لسبب ولكنها متعششة داخل الفِكر لآلاف الأسباب. عن الذهن المتأهب للتصافي والقلب المتأهب للحب واليد التي لا تُعجزها صنعة لأنها تعرف كيف تسأل وكيف تصافح.
شخصية تمنيت أن أحضنها لولا أنها غطّت نفسها عني ما إن طرق الباب شيخ الحداثة.
فرح البدر
الرسمة الملحقة للفنان الإيطالي Nicola pucci