عن النثر والفكر وال...
 
الإشعارات
مسح الكل

نقاش عن النثر والفكر والشعر- فاليري

عصام مطير avatar
(@essammutair)
Reputable Member Admin
التعبير
المقام الثالث
Points: 1451589
انضم: منذ 14 سنة
المشاركات: 108
بداية الموضوع  

 

 

وجدت هذه الفقرات المفيدة والمثيرة للإعجاب في خضم مقالة كتبها الشاعر والناقد الفرنسي فاليري بعنوان الشعر والفكر المجرد، وهي مقالة نشرتها مجلة الأدب الامريكية مترجمة، 

 

 

"ليست هناك نظرية إلا وهي - جزء معد بعناية- من سيرة ذاتية ما"

 

▪️يريد فاليري أن يخبرنا بجملته هذه عن تشكّل أي نظرية عند أي عالم/مفكر/ناقد من خلال تجاربه الشخصية وانتباهاته ورؤيته الخاصة لحياته. 

له أيضًا فقرة بديعة، يقول فيها: 

 

"لو أن المنطقي لم يكن قادرًا على أن يكون سوى منطقي، لما كان، ولما استطاع أن يكون منطقيًا؛ 

ولو أن الشاعر لم يكن أبدًا سوى شاعر، من غير أدنى أمل في أن يكون قادرًا على التفكير تجريديًا (Abstract Reasoning)، لما ترك وراءه أي أثر شعري. 

إنني أؤمن بكل إخلاص أنه لو لم يكن كل إنسان قادرًا على أن يعيش عددًا من الحيوات الأخرى غير حياته الخاصة، لما استطاع أن يعيش حياته هو.

لقد أظهرت لي خبرتي، إذن، أن الذات نفسها يمكن أن تأخذ أشكالًا مختلفة جدًا، يمكن أن تصبح مفكرًا تجريديًا (Abstract Thinker) أو شاعرًا، من خلال تخصصات متعاقبة، كلّ منها انحراف عن تلك الحالة غير المقيّدة تمامًا، والتي تكون ظاهريًا في انسجام مع المحيط الخارجي، والتي هي الحالة المتوسطة لوجودنا، حالة التبادلات غير المميّزة."

 

 

▪️ هذه تأملات جميلة لفاليري ومثيرة للإعجاب، وقد أبرز فيها جانب التداخل بين المجالات وكذلك الخيار الشخصي وأيضا كون الذات تمر بتنوعات في اهتماماتها وأعمالها، 

قد تكارس دورا منطقيا بالتحليل والاستدلال بجوانب واوقات، ثم من الممكن أن تكون شاعرا بأوقات أخرى، 

فالحياة ليست خطًا واحدًا. لا توجد هوية صافية واحدة يعيشها الإنسان، فالحياة بها أدوار متعاقبة كما يصفها فاليري تزيح الذات عن حالتها الطبيعية تلك الحالة التي يصفها فاليري بأنها "غير مقيدة".   هذا التعدد بالحيوات الداخلية هو ما يثري الهوية المعروفة، الشاعر ينمو أيضا عبر المنطق والمفكر من خلال الشعر كذلك، وهكذا

وهنا اقتباس لفقرات منها :

فكّروا في طفل صغير جدًا: 

الطفل الذي كنّا جميعًا يومًا ما يحوي داخله إمكانات عديدة. وبعد بضعة أشهر من الحياة يكون قد تعلّم، في الوقت نفسه أو قريبًا منه، أن يتكلم وأن يمشي.

 لقد اكتسب نوعين من الأفعال أي أنه صار يملك نوعين من القابليات التي ستستمد منها الظروف العرضية لكل لحظة ما تستطيع، استجابةً لاحتياجاته المتغيرة وتخيلاته.

وباستخدام ساقيه، سيكتشف الطفل أنه لا يستطيع فقط أن يمشي، بل أن يركض؛ ولا أن يمشي ويركض فقط، بل أن يرقص. إنه حدث عظيم.

 لقد اخترع واكتشف في تلك اللحظة نوعًا من الاستخدام الثانوي لأطرافه، تعميمًا لصيغته في الحركة. في الواقع، بينما يكون المشي فعلًا رتيبًا إلى حد ما وغير قابل للتطوير كثيرًا، فإن هذا الشكل الجديد من الفعل، أي الرقص، يسمح بعدد لا نهائي من الابتكارات والتنوعات أو الأشكال ،

ولكن، ألن يجد الطفل تطورًا مماثلًا في الكلام؟ سوف يستكشف إمكانات ملكة النطق لديه؛ سيكتشف أنه يمكن فعل أكثر بها من مجرد طلب المربى وإنكار "خطاياه الصغيرة“،

سيمسك بقوة الاستدلال؛ سيخترع الحكايات لتسليته حين يكون وحيدًا؛ سيكرر لنفسه الكلمات التي يحبها لما فيها من غرابة وغموض.

وهكذا، بالتوازي مع المشي والرقص، سيكتسب ويُميز النوعين المتباينين:

 النثر والشعر.

لقد أثار هذا التوازي انتباهي منذ زمن وجذبني؛ ولكن شخصًا آخر رآه قبل أن أراه أنا،

 فبحسب رواكان (Racan)، فإن ماليرب (Malherbe) قد استخدمه،

 وفي رأيي، هو أكثر من مجرد مقارنة بسيطة. أرى فيه تشابهًا جوهريًا ومثمرًا كالذي نجده في الفيزياء عندما نلاحظ هوية الصيغ التي تمثل قياس ظواهر تبدو مختلفة تمامًا.

إليكم كيف يتطور هذا التشبيه:
المشي، مثل النثر، له هدف محدد. إنه فعل موجّه نحو شيء نرغب في بلوغه. الظروف الفعلية، مثل الحاجة إلى غرض ما، دافع الرغبة لديّ، حالة جسدي، بصري، طبيعة الأرض، إلخ، والتي تحدّد كيفية المشي، تفرض اتجاهه وسرعته، وتمنحه غاية محددة. جميع خصائص المشي تنبع من هذه الشروط اللحظية، التي تتجمع بطريقة جديدة في كل مرة. ليست هناك حركات في المشي إلا وهي تكيفات خاصة، لكنها في كل مرة تُمحى وتُمتص، إذا جاز القول، بإنجاز الفعل، وبالوصول إلى الهدف.

أما الرقص فهو أمر مختلف تمامًا..

إنه، بطبيعة الحال، نظام من الأفعال؛ لكنه أفعال يكون غايتها في ذاتها. إنه لا يذهب إلى أي مكان. وإذا لاحق غرضًا، فهو غرض مثالي فحسب، حالة ما، سحر ما، شبح زهرة، أقصى الحياة، ابتسامة – التي تتشكل أخيرًا على وجه ذاك الذي استدعاها من الفراغ.

إذن فالمسألة ليست إنجاز عملية محدودة غايتها موضوعة في مكان ما ضمن محيطنا...

بل المسألة هي في خلق، والمحافظة على، وتعظيم حالة معينة، بواسطة حركة دورية يمكن تنفيذها في المكان نفسه؛ حركة تكاد تكون منفصلة كليًا عن البصر، لكنها محفَّزة ومنظَّمة بواسطة الإيقاعات السمعية.

ولكن لاحظوا هذه الملاحظة البسيطة جدًا: أنه مهما كان الرقص مختلفًا عن المشي وعن الحركات النفعية، فإنه يستخدم نفس الأعضاء، نفس العظام، نفس العضلات، لكن منسّقة بطريقة مختلفة ومثارة بطريقة مختلفة.

وهنا نعود مجددًا إلى التضاد بين النثر والشعر. النثر والشعر يستخدمان الكلمات نفسها، التراكيب النحوية ذاتها، الصيغ، والأصوات أو النبرات كذلك، ولكن منسّقة بطريقة مختلفة ومثارة بطريقة مختلفة. النثر والشعر يتميّزان، إذن، بالاختلاف بين روابط وعلاقات معينة تتشكّل وتذوب في جهازنا النفسي والعصبي، في حين أن مكونات هذه الأنماط الوظيفية متطابقة، ولهذا يجب الحذر من التفكير في الشعر كما نفكر في النثر، فما هو صحيح في أحدهما لا معنى له غالبًا إذا طُلب في الآخر.

ولكن هنا يكمن الفرق الكبير والحاسم. عندما يبلغ الإنسان الذي يمشي هدفه – كما قلت – عندما يصل إلى المكان، أو الكتاب، أو الثمرة، أو موضوع رغبته (تلك الرغبة التي أيقظته من راحته)، فإن هذا الامتلاك يُبطل في الحال فعله كله؛ 

فالنتيجة تبتلع السبب، والغاية تمتص الوسيلة؛ ومهما يكن الفعل، لا يبقى سوى النتيجة. وهكذا هو الحال مع اللغة النفعية:

 اللغة التي أستخدمها لأعبّر عن قصدي، أو رغبتي، أو أمري، أو رأيي؛ هذه اللغة، عندما تؤدي غرضها، تتبخر تقريبًا في اللحظة التي تُسمَع فيها. لقد أطلقتها لتفنى، لتتحوّل جذريًا إلى شيء آخر في ذهنك؛ وسأعلم أنني فُهِمت بفضل هذه الحقيقة اللافتة: أن كلامي لم يعد موجودًا؛ لقد استُبدل تمامًا بمعناه – أي بالصور، أو الدوافع، أو التفاعلات، أو الأفعال التي تخصّك أنت: باختصار، بتعديل داخلي فيك.

وعليه فإن كمال هذا النوع من اللغة، الذي غايته الوحيدة أن يُفهَم، يكمن بوضوح في السهولة التي يُتحوّل بها إلى شيء مختلف تمامًا.

أما القصيدة، على النقيض، فهي لا تموت لأنها قد عاشت؛ بل إنها صُمِّمت على وجه التحديد لتولد من جديد من رمادها ولتصبح بلا نهاية ما كانت عليه للتو. يمكن التعرّف على الشعر بهذه الخاصية، وهي أنه يميل إلى أن يُعاد إنتاجه في شكله الخاص....

 

 

 

 

من مقالة "Poetry and Abstract Thought" للشاعر والكاتب الفرنسي بول فاليري (Paul Valéry).

المقالة نُشرت بالفرنسية بعنوان “Poésie et pensée abstraite”، ثم تُرجمت إلى الإنجليزية ضمن:

Paul Valéry, The Art of Poetry, vol. 7 of The Collected Works of Paul Valéry, ed. Jackson Mathews, trans. Denise Folliot (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1989), pp. 61–62.

 

 

تم تعديل هذا الموضوع منذ 5 ساعات بواسطة عصام مطير

   
اقتباس
شارك:

🕶 كن معنا !

الإبداع ثقافة وتواصل . اشترك للحصول على أحدث منشوراتنا الأسبوعية في صندوق الوارد الخاص بك. لن نرسل لك بريد عشوائي هذا وعد. أعرف المزيد في سياسة الخصوصية الخاصة بنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض