لا يوجد شاعر نال منه المرض ما نال مثل السياب ثم يتلوه أمل دنقل ولكليهما تجربته مع المرض وأثره عليه وعلى شعره وأسلوبه ، ولأن الموضوع هذا يحمل جوانب متعددة ، خصوصا بما يتعلق بعملية الإبداع نفسها وهل هي مسألة مرضية أم اجتماعية وما يدور في فلك هذا النقاش ، وهل الأثر المرضي نابع من عزلة المريض وهذا محتمل بشاكلة كبيرة ، أم من أثر مرضي/جسدي "باثولوجي" أدى لمفاقمة عاطفة الشاعر وبراعة خيالاته ، ثم يأتي غير ذلك ألا وهو الدواء ، وأثره ، وكل هذه عوامل واحتمالات قابلة للدراسة والتفلسف كذلك ،
نحن هنا لا نتحدث عن المرض بصفته موضوعا لقصيدة شعرية بل عن فاعلية المرض وأثرها بعملية النظم حتى لو كان الموضوع عن المرض أو عن غيره وهذا يعني أننا نبحث في الشعراء الذين مسّم مرضا مزمنًا وأيضا قد نستشهد بأثر المرض على الفنانين ولدينا حالتان فريدتان : عبدالحليم حافظ ، وأم كلثوم قد يفيدان بإثبات التأثير المرضي وفاعليته على الفنان لكن بالنسبة للشعر فالأمر آشد تعقيدًا .
الموضوع للنقاش وهو أيضًا بذرة مقالة ستكتمل بعد بحثي لنشرها بالمجلة ، متى ما اكتملت نقاط بحثي
بدر شاكر السياب
للسياب قصيدة جميلة ، اسمها : رئةٌ تتمزق ، مبنية على مجزوء الكامل المرفّل ، بـ٥٦ بيتًا ، رباعيات عمودية ، وقدبرز بها الذوق العالي والحركة الذهنية المرتفعة بالتراكيب الصورية والبلاغية والتوظيفية ،
مطلعها :
الداء يُثلج راحتي ويُطفئ الغدَ في خيالي
القصيدة جميلة برباعياتها وقدرة الشاعر على توظيف الحب في مواجهة الموت ،
الحب برمزيته للحياة
ما أثار فضولي أن النص يمتلك حركة ذهنية طربية عالية في تراكيبه ولكنه نص من نصوص السياب عن معاناته مع المرض [السل] وكان في بداياته
كيف تفوق وامتلك هذا النص كل هذه البراعة أهي دافعية الحياة ورغبة البقاء على قيد الحياة أي الأثر النفسي للمرض حين يدفع حامله للتعبير عن مقاومته أو حتى الرغبة بإثبات الوجود وإعلائه من خلال تقديم الفرائد الشعرية أم أن هناك ماهو تأثير دوائي على الذهن تسبب بتقدم فريد من نوعه في نصوص السياب التي تحمل أثر معاناته؟
كنت أعتقد أن دواء isoniazid له دور وخاب ظني
الأثر المرضي له دور في تحييد الشعراء عادة عن النصوص المعقدة وهذا نجده واضحًا عند أمل دنقل وغيره ، والسياب مثلًا نصوصه الأخيرة ليست بقيمة التراكيب الشعرية بنصوصه المتقدمة ، وهذا طبيعي لكن
النص الأعلى هل كان للأدوية التي عُرف لها آثار نفسية ، تأثيرٌ عليه ؟ ، isoniazid مثلا عُرف أنه مضاد للاكتئاب ويسبب ارتفاعا بالمزاج وهلاوس فهل له دور؟
[ كانت فكرة تدور في ذهني ]
وبعد مراجعة يتضح أن النص مكتوب عام ١٩٤٨ في حين كان استخدام الدواء السابق بالخمسينات والستينات ، وليس لدي أسماء الأدوية التي كان يتشافى بها الشاعر فغالبا كان بعصره الاهتمام بالراحة لعلاج السل مع مقاومة الحرارة بالكمادات وغيرها ،
أما ما بعد ذلك فلا يهمنا إن كان قد تداوى به أم لا ، لأن نصوصه القديمة ستستثني الأثر الدوائي في تكوين السياب الشعري ، حتى لو تناولها بعد ذلك ،
وهذا يعيدنا للمرض نفسه ، هل كان سببًا رئيسيًا في بزوغ عبقرية السياب الشعرية ؟
هناك أمر يخص القدرة التخيلية عند الشاعر والأديب عمومًا ، وهو ببساطة : الميل للهلاوس والخيالات وتوظيفها يكون أسهل لمن لديه إشكاليات عضوية في جسده ، تدفعه لقدرات عبقرية في بناءالنصوص ، لذلك يرى بعض محللي الإبداع أن الإبداع مسألة مرضية وليست طبيعية .
بالنسبة للـ isoniazid اُستُبعِد من قائمة علاجات الاكتئاب ، بعد تسببه بأضرار للكبد ١٩٦١م
للحديث بقية ، والحوار مفتوح ،،،،،