نثرنصوصخواطر

نزيف عطارد ..

(ألا تتفق معي ، بأن الانفعال قد يؤثر على ملكة الحكم ؟ )

‏- إيه يا روح الشعر ، بدأت تتفلسف ، مازلت تغريني بسوء اختيارك ، استيقظ .. فهذه ليست لغتك وتلك التي اعتبرتها أنت ملهمةً لا تستحق .

( لقد كان بيننا عهد أن نريك فترسم لنا وقد أخبرناك أن تعي لحظة الشعر بصفتها لحظة الحقيقة ، في تلك النقطة المحددة من المنحنى )

– لكن اللؤم مقزز يا روح الشعر ، اللؤم رفيق الغثيان والثبور

( ماذا تقول يا مسكين‼️
لم يكن لؤمًا بل قلق السجين وأنانية التائه، والزمن بيننا ، ثم العهد باق )

– كيف تضع كل هذه الذاكرة في رهان خاسر ؟ وأنت أنت ، 
ألا تبصر المدينة المقيتة في مأساة الغصن والعصفور ؟ .. انظر لكل هذه الحروب وكل تلك الحرائق ، تأمل الآن  ، “عطارد” كيف ينزف مطاردًا ولزحل نشوته في المأساة ، ولنصل السيف الثائر على صاحبه ، ألف حكاية جرح ..ثم إنني بطيء في قراراتي ، وأعد النجوم قبل أن أوجه نفسي للخلود ، وأروض أطماعي بيأس الصحراء من الصحراء ، وللزهد في أوداجي ما يقيني من شرور الهامش الجريء .. 

🎋( لقد أخبرتك أن تحذر الثقة بالفلسفة ، وإنّ التعاليم التي تدينها بها هي ذاتها ما أفسدت شاعريتك ، إنك أنت الحقود ، وقطعة من الثلج نقضت عهد الماء وجاءت تتبختر في مدى البخور ، يا مسكين ‼️)🎋

– البخور ؟
ألا يتجه الروحانيون بكافة أشكالهم نحو الطمأنينة  ، واستحضار الإلهام وأثر التخيل من خلال (البخور) واستدعاء اللغة ، بكلمات تعبر عن الذاتي والبسيط والوجودي ؟، ولم يكن البخور حينها هامشيا بل الركن الوطيد في الانصراف عن الواقع قليلا ومنح النفس العميقة فرصة التسرب بمشاعرها للعالم الذي سيكون حينها غير العالم الذي نعيه ونحن مجهدون أو قلقون أو منهمكون بأنشطتنا العملية اليومية ,

وأما النار ، فلها ما للعقل من استعارة الجهة ، لكنها تخص بذلك السماوي ( الاتجاه للأعلى) ، وقد نال العقل مكانته لكونه هو أيضًا في الأعلى من الجسد ( الدماغ) ولقد أخذت النجوم مكانتها ليس لأنها مضيئة بليل دجوجي بل لكونها في الأعلى ، وإذا كان الماء يسقط وينحدر فالنار تعلو وتشرأب سموًّا ، وها هو الدخان الذي يشير لاحتراق ما ، يتلاشى بالتعالي ، ويأبى أن يكون منزله ومستقره الأخير في معاني الدنو ، وبهذا فإن البخور (مع رائحته العطرية) يؤدي رمزية التعالي والارتباط بالسماوي . 
لننظر أيضًا نحو الإبصار الذي هو دليلنا في العالم وما للسمع من مكانة في إدارة ذواتنا بمحيط ضخم من الأصوات ، وها هما تحديدا يقودان معظم مواقفنا لكن لحاسة اللمس التي ارتبطت بمعرفة نوعية للأشياء تصبح شعورًا مميزا حال العناق والجنس ، حينها هي عاطفة كبرى وأما حاسة الشم فهي جمالية وفي مواقف معينة وقائية -مثلا نعرف فساد الأطعمة برائتحها – وتظل هذه الحاسة هامشية قليلا إلى أن يأتي مهمتها الكبرى التي اختار لها الإنسان أن تكون : 
قيادة تفكيرنا لأسلوب آخر  ، وهذا ما يفعله البخور الذي تزدريه ، ثم إنني لست من رعاته ولا من دعاته ، أنا ضحية المعنى ومأزق اللفظ .

🎋( بل إنك ضحية خوفك ، ورغبتك بالاندثار مبكرا ، وما هذيت به علي الآن يدفعني لمصارحتك ، بمآزقك الحقيقي ، إنه الكامن في علاقتك بالمكان ، وحرصك على البقاء ، لقد أُصبت بداء المكوث والتمسك بالتضاريس ، مازلت تخشى السفر حتى صار رفيقك  ، إنه لا جهة ، فالمعنى بالذات ، وحين تغادر تؤذيك تلك العلاقة فتعبث بذاكرتك بتحاليل فاقدي الموهبة . ولقد كان عليك أن تلتزم بعهدنا ، أن تقول الشعر ، وتبصر جيدًا ما أريناك إياه ، 
إنك أنت الحقود ، وها هي خديعة العلم تأخذك لأوجاع الطين ، ولن تنجيك ..
المغفرة يا شاعر ، المغفرة ..وهذا العهد باق ، والماء بيننا )🎋

———

0 0 votes
تقييم الأعضاء

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض