حين قال نزار بقصيدته التمثيلية:
أقول أمام الناس لستِ حبيبتي
وأعرف بالأعماق كم كنتُ كاذبا
كان يحكي لنا في المطلع منذ أول كلمة "أقولُ" ، وأول حرف "ألف المتكلم": وجوده، والاتجاه إليه،
علمًا بأن أي مطلع بالنص الشعري هو اتجاه نحو الآخر، فأنا إذ أقرأ نصا شعريا أو أستمع له إنما أخرج عن ذاتي وأبدأ التفكير معتبرا نفسي شخصا مختلفا أو على الأقل أتذوق الحياة بلسان غيري وأقارنها ضمنيا بما أتذوقه دوما وأشاهده.
نزار بدأ نصه على البحر الطويل بالشعر العربي، بكلمة “أقول” وليس “يقول” وهنا نحن سنتجه نحوه هو مباشرة لأنه يحكي عن نفسه، وبالتالي فإن الفضول كبير لمعرفة ما يقوله، وبالطبع أعظم معنى للفضول أن تعرف من يحب هذا الذي أمامك؟
فمن خلال من نحب نعرف أنفسنا، حبيبك هو المدخل إليك ولذاتك العميقة (اللاوعي) لا ما يعتقده فرويد مثلا عن الحلم بأنه الطريق الملكي إليها،فمن خلال الحب يتجلى الكامن، ويستطيع الشعور العاطفي بالتفوق على حواجز المنطق لتظهر الصفة الجديدة عنك عبرها وهي صفة قديمة فيك لم تعرفها،
وإن الشخص(الذي هو الفرد بالمجتمع) بدأ بالنص من خلال (أمام الناس) إذ أن "أقول" تتجه لهم، والإنسان(الذي هو الفرد بالذات) ، بدأ بمحاذاة "فعل الإخبار" بأن يقول أمام الناس ، ويبرز في قوله "وأعرف بالأعماق" ويظهر الصراع بين الشخص والإنسان بحالة الاعتراف "كم كنتُ كاذبا".
وبالنسبة لنا نجد البيت قد أبرز مشهدا تخيليا، يشير نحو عشرات المواقف الضمنية في إنكار من يحبها وهو مغرم بها، ويكمل نزار بيته الثاني أيضا بفعل مضارع يتحدث به :
وأزعم أن لا شـيء يجمـع بيننـا
لأبعد عن نفسـي وعنك المتاعبـا
هنا يؤكد البيت الثاني ما قاله نزار ببيته الأول، ويكمل المشهد معللا لنا لماذا يفعل ذلك، (لأبعد عن نفسي وعنك المتاعبا)
ونلاحظ هنا التوزيع الشعري لأفعال مضارعة:
(أقول).. صدر البيت الأول
(وأعرف) عُجُز البيت الأول
(وأزعم) صدر البيت الثاني
(لأبعدَ) عجز البيت الثاني
لنجد بأن الفعل المضارع يقوم بربط مشاهد القصة.
يكمل نزار لنا قصيدته (التمثيلية) :
وأنفي إشاعات الهـوى وهي حلوةٌ
وأجعـل تاريخي الجميـل خرائبـا،،
وأعلـن في شكلٍ غبـيٍّ براءتـي
وأذبح شـهواتي وأصبـح راهبـا،،
وأقتـل عطـري عامدا متعمـدا
وأخرج من جنات عينيك هاربـا،،
أقوم بدورٍ مُضحـكٍ يا حبيبتـي
وأرجع من تمثيـل دوري خائبـا،،
فـلا الليل يخفي لو أراد نـجومه
ولا البحر يـخفي لو أراد المراكبا
انتهت القصيدة ببيت الختام الذي حمل قفلة جميلة للمشهد بحكمة وتمثيل، لكن الأهم هو التحول الذي حدث لمطلع الصدر والعجز بالبيت الأخير، فقدا بدأ ب (فلا) و (ولا) والفعل المضارع تحول من البدء بألف المتكلم لياء المضارعة (يخفي)، ثم إن نزار جعل الفعل المضارع مكررا بالبيت الأخير في حين لم يتكرر أي فعل مضارع سابق، مما صنع هندسة جميلة بالتوزيع الشعري للفعل المضارع.
هذه من تأملاتي بالنص ومن لديه مشاركة فعليه التأمل وذكر ما يعجبه بالنص إن كان باللغة أو المعاني…