أخوك معذبٌ ، المعري
 
الإشعارات
مسح الكل

نقاش أخوك معذبٌ ، المعري

عصام مطير avatar
(@essammutair)
Estimable Member Admin
التعبير
المقام الرابع
Points: 544621
انضم: منذ 13 سنة
المشاركات: 71
بداية الموضوع  

 

 

 

"أَخوكِ مُعَذَّبٌ يا أُمَّ دَفْرٍ

أَظَلَّتهُ الخُطوبُ وَأَرهَقَتهُ "

 

المعري ، مخاطبًا في شعره الدنيا ذامًّا لها ، وما يهمنا في قصيدته الطويلة تلك كيف يصبح الشعر رقصةً على وجع ، ونغمةً عن قبر ، فهذا الألم العظيم الذي يبثه المعري عن معاناة الإنسان ينطلق بالطبع من معاناته هو ، والشاعر يرى في نفسه المثال ، الذي هو تمام الحقيقة أو خلاصة المعنى لهذه الحياة .

حين يحكي لنا شخص عن ألمه ، فإن كل امرئ منا يضعه في مقارنة مع ما كان منه في حياته ، مثلا :

لو اشتكى أحد من وجع برأسه ، فإننا سنعي ما يعنيه من خلال تذكّر وجع الرأس الذي ألمّ بنا ، ومن ثم نضعه في مقياس (الحدة والقوة) بناءً على ما جربناه من وجع رأس ، من كان لديه وجع رأس شديد جدًا سيكون مهتمًا جدًا بشكوى هذا الشخص ، ومن لم يجرب إلا الخفيف منه ، فسيمنحه درجة أقل من الأهمية .

 

هكذا كل كلمة وجملة عن الألم توضع في مقياس مع ذاكرتنا عنه وقدرتنا على تحمله ، كل شخص منا يحكّم تجربته ،

هنالك آلام غير متصورة نابعة من تجارب خاصة ، مثلا وجع المعاق مقابل السليم ، فالأخير قد يضع تصورًا تقديريا للوجع النفسي ،

وقد لا يعبأ بمعاناة من أمامه ، فالشعور بالنهاية هو أمر ذاتي لصاحبه ، ونحن حين نسمع شكواه نختلف بردود أفعالنا نحوه بناءً على عوامل كثيرة ومنها تصوراتنا عبر قياس الألم بما كنا قد مررنا فيه من آلام ، وحين الحديث عن الألم النفسي تدخل (الأنا) فكل منا يرى في آلامه الحدث الأعظم فأنا بالنهاية الحياة التي أعيها ، وهي تحت حكمي وتقييمي ،

 

والشعر بعد هذا هو طريقة الشاعر في إقناع من حوله أن وجعه يستحق الانتباه ، وأن الحياة تحت حكمه ، ولأن الكلمات والجمل الشعرية بها من المجاز ما بها ، فقد صعّبت على المتلقي مسألة (القياس) التقليدي السابق ودفعته لتصور الألم عبر المشهد والصورة والقصة الرمزية لتجعل الشاعر بالنهاية بطل الحياة عبر القرون وأثره باق بقاء اللغة ، مقارنة بذلك الذي وصف وجعه لقومه بكلماته المباشرة وقاسوها بتجاربهم .

قصيدة المعري التي مطلعها البيت السابق ، اخترت لكم منها في تعبيره عن وجعه من الدنيا هجاءه لها :

 

 

أَرى الدُنيا وَما وُصِفَت بِبِرٍّ

مَتى أَغنَت فَقيراً أَوهَقَتهُ

،

إِذا خُشِيَت لِشَرٍّ عَجَّلَتهُ

وَإِن رُجِيَت لِخَيرٍ عَوَّقَتهُ

،

حَياةٌ كَالحِبالَةِ ذاتُ مَكرٍ

وَنَفسُ المَرءِ صَيدٌ أَعلَقَتهُ

،

وَأَنظُرُ سَهمَها قَد أَرسَلَتهُ

إِلَيَّ بِنَكبَةٍ أَو فَوَّقَتهُ

،

فَلا يُخدَعُ بِحيلَتِها أَريبٌ

وَإِن هِيَ سَوَّرَتهُ وَنَطَّقَتهُ

،

تَعَلَّقَها اِبنُ أُمِّكَ في صِباهُ

فَهامَ بِفارِكٍ ما عُلَّقَتهُ

،

أَجَدَّت في مُناهُ وُعودَ مَينٍ

إِلى أَن أَخلَفَتهُ وَأَخلَقَتهُ

 

✍️

 

وللحديث بقية ..

 

34114420 9D8C 4E26 B475 53D716ED5816
تم تعديل هذا الموضوع منذ أسبوعين بواسطة عصام مطير

   
اقتباس
شارك:

🕶 كن معنا !

الإبداع ثقافة وتواصل . اشترك للحصول على أحدث منشوراتنا الأسبوعية في صندوق الوارد الخاص بك. لن نرسل لك بريد عشوائي هذا وعد. أعرف المزيد في سياسة الخصوصية الخاصة بنا.

Rkayz

مجانى
عرض