في حال الحديث عن تفاسير فيزيائية للسلوك البشري فإن مفهوم مثل "السبب/السببية" "causes” ينبغي أن يكون قاعدة لكل ما يمكن رصده من سلوكيات بشرية أو فلنقل غالبًا ومع ذلك فإن هذا المفهوم لا يمكن تحققه على مستويات مختلفة من السلوك ،
لنفهم هذه النقطة علينا أن نوضحها بتفسير وأمثلة ، سنأخذ المثال الذي ذكره إدوارد فيسر بكتابه فلسفة العقل philosophy of mind ويقول فيه :
"فلنفترض أنك شاهدت "إيثيل" تبكي من الألم بعد أن ارتطم إصبع قدمها بجسم ، ثم شاهدتها بعد ذلك تنرع حذاءها وتفحص قدمها, إذا طُلب منك تفسير الحدث الأول ، فمن الممكن أن تتحدث عن الضرر الذي لحق بجسدها [قدمها] وأدى بها [تسبب/causes] إلى البكاء ،
لكن إذا طُلب منك تفسير الحدث الثاني فإنك ستقول إنها أرادت تحدد درجة الضرر الذي أصاب قدمها وقد فكرت أن نزع حذاءها سيكون أفضل الطرق للقيام بذلك [أنت هنا تعلل]
"
Philosophy of mind , Edward Feser
لاحظ أن السبب cause هو مسألة مادية مباشرة فهو سبب يتسبب بكذا ، هو علاقة بين حدثين طبيعيين ، الحدث الأول تسبب بالحدث الثاني "التأثير" ، على العكس من الحديث عن "العلة Reason” [أحيانًا يُستخدم بترجمتها كلمة "مسببات"] فهي متعلقة بمسائل ذهنية ، ما هي مسببات أو "علّل لماذا" إيثيل فسخت حذاءها؟
فالعلاقة المادية بين الأشياء ، النار تتسبب بالحريق ، غليان الماء ، هذه مسائل فيزيائية لكننا لا يمكن أن نجد سببا مباشرا يفسر لنا لماذا قمت بكتابة هذه المقالة من ناحية مادية [فيزيائية] لا أحد يقول أن هناك موجة كهروكيميائية بعصبي تسبب بكتابتي ، لابد أن يكون هناك علل ذهنية [رغبتي بالكتابة ، سعيي للتعلم ، محبتي مثلا لمناقشة مثل هذه المواضيع ] وهكذا فإن سلوك الإنسان الفسيولوجي [اصطدم بقدمه فصرخ ، أو بكى ] يكون هناك وضوح كبير للعلاقة الفسيولوجية [الكيمياء، الفيزياء، الحيوية إلخ] ، لكن أيضًا هناك ما هو أكثر تعقيدًا من كون السلوكيات التي تتخذ التفكير من وسائلها للظهور ، لا يمكن وضعها بنظام مادي سببي ، يقول فيسر بكتابه فلسفة العقل :
"لكن بعض المفسرين وعلى رأسهم الفيلسوف "لودفيغ فيتجنشتاين ، قد أشاروا إلى وقوع حالات كثيرة من الخلط بين المفاهيمي ، بين الآسباب causes و العلل [المسببات] Reasons حيث يتم التعامل مع العلل على أنها أسباب للفعل ، فالابتسامة التي على وجهي عندما أحييك ليست بسبب السعادة التي أشعر بها عند عودتك من رحلة طويلة ، حتى لو كانت السعادة هي علة reason ابتسامتي ، فالابتسامة إلى حد ما تشكل جزئيا السعادة ،
إن السلوك [ابتسامتي] والسعادة ليسا عنصرين متميزين منفصلين ومرتبطين بقانون سببي causal Law مثل التي توصف بعلوم الفيزياء بل إن العلاقة بينهما علاقة مفاهيمية جوهرية"
من هذا يتساءل إدوارد فيسر عما إذا كانت الشبكة الضخمة من الاعتقادات والمشاعر والأفكار - التي تشكل العقل غالبًا- يمكن تفسيرها من خلال شبكة العمليات السببية causal processes [العمليات الكيموحيوية/الفسيولوجية] التي تشكل الدماغ أم لا ؟ وهذا بالطبع ما لا يمكن تفسيره إذ أن العمليات العصبية من الممكن رصدها ومعرفة أن هذا التغير يتسبب بتغير آخر على المستوى الخلوي العصبي لكن كيف نربط هذا التغيرات بما له علاقة باستنتاجات منطقية مثلا : "كل إنسان فان" وأن "سقراط إنسان" إذن "سقراط فان" ، كيف لهذه القاعدة المنطقية من الممكن ربطها بنظام السببية بالأنسجة العصبية ؟ [هذه من الأسئلة التي لا يمكن إجابتها بمنظور مادي مما يجعل ثنائية الجوهر العقل-الجسد مازالت قائمة أو حتى ثنائية الخواص.