بين يدي كتاب : تهمة اليأس ، لشوبنهاور وقد تناول وناقش عدة مواضيع ، منها كان موضوع المرأة ووجهات نظره حولها ، والعجيب أن له نظرة انتقادية احتقارية عنها ، كانت ومازالت هذه النظرة هي من أهم مثالب شوبنهاور التشاؤمي بعد مثلبة الإلحاد ، ولا أعلم إن كانت نظرته هذه نابعة من تشاؤمه أم محاولة نفسية منه في نقد والدته ، لكن بعض جوانب هذه النظرة يستحق النقاش والنقد
يؤسس شوبنهاور حديثه عن المرأة عبر تفسير وجودها الذي يمثل عالم الرجل عبر الاستشهاد بقصيدة شعر للشاعر شيلر في تكريم المرأة وجزء من قصيدة دي جوي ، الشاعر الفرنسي :
"دون المرأة تكون بداية حياتنا عاجزة ، ووسطها خاليًا متعة ، ونهايتها بلا عزاء"
فيكتور جوزيف إتان ، المعروف باسم de Jouy
لقد أبرز شوبنهاور فكرته الأساس :
"ليس عليك إلا النظر إلـى شكل المرأة حتى ترى أنها غير مكونة لتدخل العمل ، سواء العمل العقلي أو الجسدي ، فهي تدفع دَين الحياة لا عبر ما تفعله بل عبر ما تعانيه ، عبر آلام الولادة والعناية بالأطفال وعبر الخضوع لزوجها الذي يجب أن تكون رفيقة صبورا ومبهجة له ."
ومع بساطة ما كتبه بالسطور السابقة إلا أنه يحمل الكثير من المقدمات الخاطئة :
أ. الشكل الجسدي للمرأة (من زاويته / زاوية الرجل} يؤسس عليه شوبنهاور عجزها العقلي .
بالنسبة للأعمال الشاقة فنعم من حيث البناء العضلي لكن معظم الأعمال متوسطة الأداء هي أمر مشترك أما بالعقل فالعقل هنا ينبغي تقسيمه بين العقل الاجتماعي ، العقل التحليلي ، العقل الأداتي إلخ ، وهذا يعني أن مسألة التفاوت الجندرية بالأنشطة العقلية والمعرفية لا يمكن الاعتماد عليه بناء على الجسد ، وأن العقل ذاته مختلف في مظاهره لكنه يقصد العقل عموما وفق هذا الخطاب يكون قد جعل {كل النساء} بمقارنة مع {كل الرجال} دون الأخذ بالاعتبارات العرقية والمكانية والثقافية والفروق الفردية ، وهذه مقدمة خاطئة .
ب. القول بأن الحياة دين تدفعه عبر ما تعانيه لا ما تفعله ، قد يكون قولا مقبولا بظاهرة لكنه بعد هذه السطور يبدأ شوبنهاور بالقول بـأن الإنسان الكامل هو الرجل :
"إن النساء مجهزات ليكنَّ الممرضات والمعلمات ، في طفولتنا المبكرة لأنهن بحد ذاتهن طفوليات وطائشات وقصيرات النظر ، بكلمة : هنَّ أطفال كبار طيلة حياتهن . حالة متوسطة بين الطفل والرجل البالغ الذي هو إنسان بالمعنى الحقيقي للكلمة .
انظر كيف تداعب بنتٌ طفلا أيامًا متتالية وترقص معه وتغني له وفكر فيما سيفعله رجل حتى لو كان يملك أفضل السجايا الممكنة بالعالم - لو كان مكانها"شوبنهاور ، تهمة اليأس ، الطبعة الأولى ص ٩٤ ترجمة الطيب الحصني
نلاحظ هذا التمييز {الجندري/ الهونسي "الهوية الجنسية"} كيف انطلق منه شوبنهاور ليجعل الحياة للرجل ومن خلال نظرة الرجل قيّم المرأة ، فهي وفق مقاسات الرجل عن الحياة ستكون تحت تقييماته ، على أنه ينبغي النظر للحياة بمقاييسها هي ، وحينها سنعرف من الأقرب لها لو تجاوزنا مبادئ العرق والثقافة .
انطلق بعد ذلك شوبنهاور ببث أشد الانتقادات ضد المرأة ولقد برز ما به من حقد على الحياة كما هو معروف عن الملاحدة عادةً فإذا به يرى أن المرأة تتعاطف مع التعساء أكثر مما يفعل الرجل وهذا وفق نظرته دليل على أنها بقدة عقلية ضعيفة ،ويضيف شوبنهاور جملة مكتظة بالخطورة :
" لذلك نجد أن العيب الجوهري في الشخصية الأنثوية هي أنها لا تملك حسًا بالعدالة "
ويرى شوبنهاور أن هناك مبدأ رذيسيا تعيشه المرأة وتحققه بلا معرفة مجردة لكن من خلال الواقع ، أي أنه ليس درسا يتعلمنه ويطبقنه بالحياة بل هو ممارسة وجودية لهن في واقعهن دون الحاجة لاكتسابه عبر المعرفة ، وهو المبدأ الذي يشكل الخداع والمكر عندهن على حد تفسيره ، فيقول على لسانهن:
من المبرر لنا خداع أولئك الذين يحسبون أنهم قد امتلكوا الفصيلة {يقصد البشر ، ويتكلم بلسان النساء} - لأنهم يوفرون لنا عيشنا ، نحن الأفراد ، وبما أن الجيل القادم من الفصيلة يأتي عبرنا ، فإن بنية الفصيلة وبالتالي مصلحتها قد وضعت بين أيدينا وتحت رعايتنا ، وسوف نمارس هذه الرعاية بأمانة
يتحدث كذلك شوبنهاور عن ظاهرة يزعم أنها موجودة فقط بين النساء وهي ظاهرة العداوة والغيرة بين النساء ويزعم
"إن الشعور الطبيعي بين الرجال عدم الاكتراث ، لكنه بين النساء في الواقع عداوةوسبب ذلك التنافس المهني والذي لا يكون في حال الرجال أبعد من حدود مهنة معينة ولكنه في حال النساء يشمل جنسهن بأسره لأنهن لا يملكن إلا نوع واحد من العمل "
نلاحظ أن المقصود بالعمل الواحد هو عمل الرعاية للرجل فهن بصراع دائم بسبب أنهن بصنعة واحدة في حين ان الرجال مهنهم مختلفة وبالتالي فإن أصحاب المهن المختلفة يكونون عادة أقل عداوات فيما بينهم ، لكن شوبنهاور يعلم أن هذا التصنيف لو كان صحيحا فإنه نابع من شكل المجتمع وتكوينه الثقافي لا من جنس المرأة .
ويستمر بعذ لك شوبنهاور في مهاجمة النساء ومهاجمة أي رجل يمدحهن بكلمة {الجنس / الجندر الجميل} ، ويبث أبشع عباراته وأشدها حقدا وخطورة :
وحده الرجل الذي ملأت عقله غمامة الاندفاع الجنسي قد يصف ذلك العرق صغير الحجم وضيق الأكتاف وعريض الخصر وقصير الأرجل بأنه الجنس الجميل ، لأن كل ذلك الجنس مرتبط بهذا الدافع ، بدلا من أن تُدعين جميلات الأصح أن تُدعى النساء بالجنس غير الجميل ، فليس عندهن أي حس فعلي أو قابلية حقيقية للموسيقى أو الشعر أو حتى الفن الجميل ، ويكون ذلك محض خداع عندما يدّعينه كي يساعدهن للحصول على الحظوة"
تهمة اليأس ، شوبنهاور
لقد قسا شوبنهاور الملحد على المرأة حتى شكك بأمومتها وزعم أن حبها لطفلها هو حب كباقي الحيوانات الدنيا لأطفالها ، فهو حب فيزيائي بينما حب الأب على حد زعمه هو حب مبني على كون الرجل يري بابنه ذاته الداخلية فهو حب ميتافيزيقي .
هذه كانت آراء من جملة أقوال كثيرة قالها شوبنهاور الذكوري جدا ضد المرأة وهو فيلسوف ملحد يتعبر أستاذ نيتشه صاحب فلسفة القوة ، الذي حمل كذلك تلك الضغائن على المرأة بفلسفته وإن كانت بحدة أقل .
آراؤكم مرحبا بها و ومن لديه إضافة فليتفضل ، وسأضيف هنا مستقبلا ما له علاقة بهذا المبحث ،