بسمِ اللهِ الرحمن الرّحيم، وَالصّلاة وَالسّلام على أشرفِ الخلقِ وَالمرسلين، سيدنا محمّد وَعلى آله وَصحبه أجمعين.
المتنبي معجزةُ الشعراء على مرّ القرون، هو واحدٌ من أهم الشّعراء، في العصر العبّاسيّ، بل بالتّاريخ؛ لأنّي أجدُ في شعره الحكمة وَالجمال ممزوجتان بالبلاغة وَالفصاحة.
حياته:
أبو الطّيّب المتنبّي، هو أحمد بن الحسن بن الحسين الجعفيّ الكنديّ الكوفيّ، وُلِدَ عام ٣٠٣ هجري، يُنسَبُ إلى قبيلة كِندة في الكوفة، كانَ أكثرَ الشّعراء تمكّنًا باللغة العربيّة، وَأعلمهم بقواعدها وَمفرداتها، وُصِفَ بأنّه نادرةُ زمانه وَأعجوبة عصره، اشتُهِرَ بِحِدَّةِ الذّكاء، واجتهاده، إلى جانب موهبته الشّعريّة، الّتي ظهرَتْ مُبَكّرًا وَأوّل قصيدة نظمها وَعمره تسع سنواتٍ، كانَ رجلًا عام اشتغلَ بالحياة العامة، بشعره وَعبّرَ عن الحياة، أصدَقً تعبير.
لم يكن المتنبّي شاعرًا متسوّلًا، يمدح الملوكَ وَالأمراءَ، ليحصل على المال، إنّما كانَ رجلًا سياسيًّا، انشغَلَ بالحياة، إلى جانبِ أنّه يمدح نفسه وَيتغنّى بها، في بدايةِ معظم قصائ مدح الملوك وَخواتيمها، عندما كانَ يرتبط بأمير أو وزير، كانَ يقصر شعره عليه ليحقق ذاته من خلالهم.
كانَ أبو الطّيّب وَهو صبيّ ينزل في جوارى بالكوفة، وَكان محبًّا للعلمِ، وَالأدبِ، فَصَحِبَ الأعرابَ في البادية، وَتعلَّمَ الكتابة، وَالقراءة عندهم، كانَ والدَهُ سقّاءً في الكوفة، وَالمتنبّي كان يكتم نسبه، وَسُئِلَ عن ذلك، فَقال: إنّي أنزِلُ دائمًا على قبائل العرب، وَأُحبُّ ألّا يعرفونني، خيفة أن يكونَ لهم في قومي تِرّة.
حقيقة ادّعائه للنّبوّة:
قالَ أبو عليّ: قيلَ للمتنبّي على من تنبّأتَ؟ قالَ: على الشّعراءِ، فقيلَ: لكُلِّ نبيّ معجزة، فما معجزتك؟ قالَ: هذا البيت:
وَمن نكد الدنيا على الحرِّ أن يرى
عدوًّا له ما من صداقته بدُّ
وَحكى أبو الفتح عثمان بن جنّي: سمعتُ أبا الطيّب يقول: إنّما لُقّبتُ بالمتنبّي لقولي:
أنا تِربُ النّدى وَربّ القوافي
وَسمامُ العدا وَغيظ الحسود
أنا في أمّة تداركها الل
هُ غريبٌ كصالحٍ في ثمود
ما مقامي بأرضِ نخلةَ إلّا
كمقامِ المسيحِ بينَ اليهود
وَفي رسالةِ الغفران: حدّثتُ أنَ المتنبي كانَ إذا سُئِلَ عن هذا اللقب، قال: هو من النّبوّة، أي المرتفع عن الأرض.
سبب قتله:
عندما كان المتنبي عائدًا من الكوفة، وَكانَ في جماعةٍ منهم، ابنه محسد، وغلامه مفلح، لَقَيَهُ فاتك بن أبي جهل الأسديّ، وَهو خال ضبّة الّذي هجاه المتنبي بقصيدةٍ شديدة، وحينَ سمع فاتك بالقصيدة، اشتدّ غضبه فعَلِمَ بتوجّه المتنبي إلى العراق، وَانصرافه من فارس، فتوجّهَ إليه وكَانَ معه جماعته، أيضًا، فاقتتل الفريقان، بالنّعمانيّة، وَلمّا ظفرَ فاتك بالمتنبّي، أرادَ أبو الطّيب الهرب، فقالَ له ابنه: أتهرب وأنتَ القائل:
الخيلُ وَالليلُ وَالبيداءُ تعرِفُني
وَالسّيفُ وَالرّمحُ وَالقِرطاسُ وَالقلَمُ
فرَدَّ عليه المتنبي: قتلتني قتلكَ الله، وَقُتِل المتنبّي وَابنه وَغلامه، فقيلَ في الأدب: الشاعر الّذي قتلته قصيدته.
لم يكن معجزة للشعراء وهذا التصور عادة تردده الأوساط السلفية المعاصرة تعبيرا عن نزعة الماضي المتفاقمة في ظل تدهور الواقع بعين التراث، وقد مثّل المتنبي وسيلة من وسائل التعبير عن الغضب على السلطة دون الوقوع بمصادمة فكافور الذي هجاه المتنبي هو رمزية ما يرونه يستحق الذم اليوم، وهذا عامل من عشرات العوامل التي تساعد على مثل هذه المفاقمة بالادعاء أن المتنبي هو معجزة الشعراء.
@essammutair أشكر مرورك
توصيفي للمتنبي بأنه معجزة الشّعراء، جاء في إطار لغويّ مجازيّ، لا دينيّ كما هو شائع في كتب النّقد، وما كتبت أدبيّ بحت، كما استخدم هذا المصطلح العرب القدماء لفرادته وتميّزه في الشعر، وَلم أقصد أيّ معنى أسطوري، إلى جانب أنّ ما كتبت كان يتضمّن حياته وشعره، لا يهدف لإحياءِ ماضٍ أو الهروب من الواقع، بل لتقديم قراءة أدبية لشاعر له أثر كبير في التراث العربيّ، وَأرى أنَّ مناقشته أدبيًّا بعيدة كل البعد، عن الأوساط السّلفيّة أو غيرها!


