يقول الشاعر الفرنسي فاليري في مقالة له بعنوان "الشعر والمفكر المجرد" :
كان الرسّام العظيم ديغا (Degas) يكرر لي كثيرًا ملاحظة حقيقية وبسيطة قالها مالارميه (Mallarmé). كان ديغا يكتب أبياتًا أحيانًا، وبعض ما تركه كان رائعًا. لكنه غالبًا ما كان يجد صعوبة كبيرة في هذا العمل العرضي بجانب فنه التصويري. (وكان، بالمناسبة، من النوع الذي يجلب كل صعوبة ممكنة لأي فن كان). ذات يوم قال لمالارميه: «إن حرفتك جحيمية. لا أستطيع أن أقول ما أريد، ومع ذلك فأنا مليء بالأفكار....». فأجابه مالارميه: «يا عزيزي ديغا، إن الشعر لا يُصنع بالأفكار، بل بالكلمات» (One does not make poetry with ideas, but with words).
كان مالارميه محقًا. ولكن حين تكلّم ديغا عن "الأفكار"، كان يفكر، في النهاية، في الكلام الداخلي (Inner Speech) أو الصور (Images)، التي كان يمكن التعبير عنها بكلمات. لكن هذه الكلمات، وتلك العبارات السرية التي كان يسميها أفكارًا، كل هذه النوايا والإدراكات الذهنية، لا تصنع أبياتًا شعرية. ثمة شيء آخر إذن، تعديل أو تحوّل، مفاجئ أو غير مفاجئ، تلقائي أو غير تلقائي، شاق أو سهل، لا بد أن يتدخل بالضرورة بين الفكر الذي يُنتج الأفكار – تلك النشاطية وتلك الكثرة من الأسئلة الداخلية والحلول – وبين ذلك الخطاب الآخر المختلف تمامًا عن الكلام العادي، والذي هو "البيت الشعري" (Verse): خطاب منظّم بطريقة غريبة، لا يلبي حاجة إلا الحاجة التي يجب أن يخلقها بنفسه، ولا يتكلم إلا عن أشياء غائبة أو عن أشياء محسوسة بعمق وسرية: خطاب غريب، كأنه صادر من شخص آخر غير المتكلم وموجَّه إلى شخص آخر غير المستمع. باختصار، إنه "لغة داخل اللغة" (A Language within a Language).
المرجع :
The American Poetry Review, المجلد 36، العدد 2 (مارس/أبريل 2007)، ص. 61–66 الناشر: American Poetry Review الرابط الثابت: http://www.jstor.org/stable/20683477

