دَخَلْتُ إلى الغُرْفَةِ،
فَوَجَدْتُ الوَقْتَ جَالِسًا عَلَى الكُرْسِيِّ الهَزَّازِ،
يَمْتَطِي صَهْوَةَ حُرُوفِهِ بِنَشْوَةٍ،
يَتَرَنَّمُ بِأُغْنِيَاتِهِ لِتِلْكَ الطُّيُورِ الرَّاقِصَةِ.
يُبَادِرُنِي بِحَنَانٍ،
فَأَسْبَحُ فِي تَيَّارَاتِ الدَّقَائِقِ اللَّاهِثَةِ،
وَأَنْثَنِي إِلَى رَحِمِ أَرِيكَةِ النُّعَاسِ،
المُنْتَشِيَةِ بِأَرِيجِ الِارْتِيَاحِ المتقد بين شراييني.
يُحَدِّقُ طَوِيلًا فِي نُقُوشِ تِيجَانِ الجِدَارِ الذَّهَبِيَّةِ،
المُعَلَّقَةِ بَيْنَ السَّقْفِ وَقَاعِهِ،
يُخَاطِبُنِي بِعَذُوبَةِ اللِّقَاءِ،
وَيَنْحَنِي بِلُطْفٍ،
لأَرْشُفَ مِنْ أَفْوَاهِ الذِّكْرَيَاتِ الجَمِيلَةِ بَرِيقَ أُنْسِنَا.
واااو يَبْتَسِمُ...
كَمْ كَانَتْ نَزْوَةُ الحَيَاةِ قَصِيرَةً!
وَقَدْ تَرَاكَمَتْ عَلَيْهَا خِزَانَةُ الهُمُومِ،
المُثْقَلَةِ بِأَنِينٍ وَحُزْنٍ...
وَكَمْ مُلِئَتْ كُؤُوسُ الفَرَحِ،
فَأُرِيقَتْ مِنْهَا السَّعَادَةُ وَالأَمَلُ!
هِيَ وَتِدٌ تَسَامَرَ عَلَيْهِ الفَرَحُ وَالشَّقَاءُ.
يُرَبِّتُ عَلَى كَتِفِي،
مُوَاسِيًا لِغَدْرِ بَقَايَا الخَيْبَاتِ
الَّتِي تَحَدَّرَتْ
مِنْ شَلَّالِ الأَلَمِ،
عِنْدَمَا كَبَّلَنِي طَوْقُ اليَأْسِ حَوْلَ عُنُقِي،
وَقَيَّدَتْ أَكْفَانُ الخُطُوبِ التَّعِيسَة ِ
مَجْرَى شُعْلَةِ الِابْتِهَاجِ المَنْسِيَّةِ
فِي عَرَصَاتِ الزَّمَانِ.
تِلْكَ الدَّيَاجِيرُ البَائِسَةُ
فِي صَفَحَاتِ عُمْرِي المُتَسَاقِطَةِ...
أُعَاتِبُهُ:
أَيْنَ كُنْتَ؟
عِنْدَمَا انْصَهَرَتْ مَزَاعِمُ الحُبِّ؟
عِنْدَمَا تَكَالَبَتْ فُؤُوسُ الظُّلْمِ عَلَى نَفْسِي؟
وَدِدْتُ لَوْ أَنَّكَ وَقَفْتَ لِمُؤَازَرَتِي...
لِمَ تَأَخَّرْتَ عَنْ نُصْرَتِي؟
يَسْكُبُ الهُدُوءُ دَقَّاتِهِ،
فَيُجِيبُ بِأَدَبٍ سَخِيٍّ:
> "انْظُرْ إِلَى السَّاعَةِ القَابِعَةِ فِي ذَاكَ الجِدَارِ،
تَتَسَاقَطُ دَقَائِقُهَا لِتُهْدِيَنَا الصَّبْرَ،
فَنَرْفَعَ أَحْمَالَ الشَّقَاءِ بِقُوَّةٍ،
يَحْدُونَا أَنْ تَمُرَّ سَرِيعًا،
أَوْ أَنْ تَقِفَ عِندَ بَدَايَةِ النَّدَى،
فَيَسْقُطَ سَحَابُ صَبْرِنَا مَطَرًا،
لِيَسْقِينَا الفَرَحَ،
وَيَرْوِيَ عُرُوقَ الأَمَلِ،
فَتُزْهِرَ أَحْلَامُنَا،
وَتُشْعْشِعَ بِنَسْكِ السَّلَامَةِ نُفُوسَنَا."
---
أَتَسْأَلُنِي مَنْ أَكُونُ؟ وَأَيْنَ أَكُونُ؟
فَأَنَا مَغْرُوسٌ بَيْنَ يَدَيْكَ،
مُطَوَّعٌ لِأَقْتَفِي أَثَرَكَ
بَيْنَ خَبَايَا الدَّهْرِ وَرِحَابِ التَّفَاؤُلِ...
وَأَنَا سَيْلٌ يَطْمِرُ بِئْرَ الظِّلَالِ عَمِيقًا،
فَيَنْتَشِلُ مَا يَبْقَى مِنْ حَنِينٍ،
وَأَنَا مَنْ يَصْرَعُ نَدَبَاتِ الهُمُومِ العَطْشَى لِتَذْبُلَ،
وَيُزِيحُ عَبَاءَتَهُ السَّوْدَاءَ عِندَ الفُلُولِ...
وانا سهم ناشب في بالون الحياة
يستنفذ أنفاسه حتى يحين الرحيل...
انا هنا لاجلك…واعيش معك
فإذا اتوحشت جزعا فلي من الوحشة قدرك
واذا استأنست أمرا فإن أنسي معك…
لَا تَحْزَنْ يَا صَدِيقِي،
فَأَنَا أُمَجِّدُ تِلْكَ اللَّحَظَاتِ الزَّاحِفَةَ فِي قَلْبِكَ،
وَأَعْصِرُ ثَوَانِيَ السَّاعَاتِ،
لِتَبْقَى نَهْرَ هَمْسٍ دَافِقٍ.
وَلَنْ أَخْتَفِي...
سَيَبْقَى بُرْعُمُ الوَقْتِ يَجْرُفُنَا بِالحُزْنِ وَالفَرَحِ،
وَ
تَسْتَمِعُ ذَوَاتُنَا لِمَعَابِرِ الحَيَاةِ،
عِنْدَهَا... تُسْتَلَذُّ بِالرِّضَا.
