مَن أنت؟
أَصْدِقْني بقولِكَ...
ومِن قلبِكَ؟
أنا ذاكَ الّذي يَمشي في المدينةِ وحيدًا،
وأضواءُ الطريقِ خَجلى،
والمسافاتُ تتسابقُ لِتطولَ أُفُقَ السَّراب...
أَنظرُ، وهامتي تَسبَحُ في الأحلام،
أَمشي، وأوراقُ الأشجارِ تتعرّى، ذاتِ أشواكَ!
وكَمِثلِ الّذي خَدَعَتهُ أمواجُ الحياة،
فتمتدُّ لِتَرمي ذِكرياتهِ في مُستَنقعِ الحُزن،
ولطالما نَخَرتْ بقايا جسده،
وآلَمتْ بَصيصَ أملِه...
فَتُرسِلُ فُتاتَ الأملِ لِتُواسيه طَوالَ عمرِه،
لِيَعيشَ تَفاؤلَ الغد...
وأنا الذي انهمَلَتْ عليهِ بَشائرُ الضياع،
واكتحَلَتْ عيناهُ بِحَرَقاتِ الانصياعِ إلى مَصيرِ الفِراق،
وانزلَقَتْ هُمومُ الليالي تُساهِرُ الجُفون،
وعَبَراتُ الشوقِ تُداعِبُ العُيون...
فأَطربَتْ مَسامِعَه أهازيجُ الجوع،
وطوى الحِرمانُ كُلَّ مَدى...
أنا قلبًا تَكاثَفَتْ عليهِ هَوانُ النّفوس،
فازدَرَتْ ثَباتَه،
وتغلغلَ الحِقدُ بين دِمائها،
فَتَجسَّدَتْ مَسخًا مِن عالَمِ الإنس!
أنا قلبًا غاصَتْ ذِكراهُ في مُحيطٍ تَمازَجَتْ فيهِ أمواجُ الخوف،
والجَزَع،...
ونَوازِعُ قَلَّبَتْ معاني السَّلام،
فَاتَّكَأتُ على بابِ الأمل...
تسألني؟
عن قلبٍ يرفضُ أن يَرويهِ غيرُ الحنين،
وصَبرٍ ذاقَ الصّبرَ مَذاقَ الأنين،
ودُموعٍ غارَتْ تحتَ وهجِ الصِّبا اليائسة،
والخوفِ كمِسمارٍ يَنخُرُ في جِدارِ الثِّقة...
أتُرغِمُني على البَوحِ في نايِ الحياة؟
فأنا ذاكَ العازفُ بأوتارِ الأماني الغَضَّة،
حينَ تُداهمه غوائلُ الانقيادِ نحو الظلام،
حينَ التَحَفَ مِن بؤسِ الشقاءِ بِرِداءِ الألم...
هو رداءٌ نرتَديهِ رغمَ العواصف،
فهل للسُّكونِ من تاريخ؟
من ميلاد؟
من بداية؟
أتَرى تلكَ الأغصانَ الشّابّةَ في رُبى الحقول؟
انظُرْ إلى تلكَ الطّيورِ الباسمة،
تَرعى في أفلاكِ السماء...
لتَنمو فيها براعمُ الفرح،
فتزهو بعدَ أيامِ الثواني وساعاتِ الزمان...
كنتُ هناك،
لكنّي سأكونُ هُنا، في فُوَّهةِ الصباح،
بين أعشاشِ الطيور، وأكاليلِ الزهور...
لا تَقلق...
سَتبدأُ سَنابلُ الأملِ تتدفّقُ على ذاتي،
حتمًا، سَيَراويني الفَرحُ كمَباسمَ تَحتضنُ الأُفُقَ السعيد...
وعمَّ قريبٌ سيكونُ قريبًا،
وستَرتدي الأحلامُ وِشاحَ الفَرحِ والنّشيد…
نص جميل جدًا ويحمل موهبة أدبية متميزة