قرأت لصامويل جونسون هذه الجمل وهي (كما يقول مؤلف غريزة اللغة ) كانت مقدمةً لمعجمه الشهير باللغة الإنجليزية الذي أصدره عام ١٧٥٥م وقد عُرف بقاموس جونسون :
" إن مصير من يعيشون في المهن المتدنية من الحياة أن يكون حافزهم الخوف من الشر ، وليس الاستبشار بالخير ، أن يتعرضوا للتقريع من دون الأمل بالمديح ، أن يهانوا على أخطائهم أو يعاقبوا على إهمالهم ، بينما نجاحهم لا يلقى تصفيقا ، وعنايتهم لا تلقى تقديرًا .
ومن بين هؤلاء الفنانين التعساء مؤلف المعاجم "
▪️يا له من وصف ، ويا لها من حياة صعبة يكثر فيها الشعور بالقل والذل ، ولقد جاء الشعور التعيس من محبة المرء لعمله المعرفي الذي عادة يكون مردوده متأخرا أو بعد فناء ، ولكن الجمل عموما تختزل العمر ، فالقليل الذي نشتكيه قد يكون في لحظات أخرى من حياتنا موطنا لمشاعر مبتهجة ولعل عمق الإبداع هو الفرار من الألم واستحداث وسيلة تصرف الذهن عن فكرة الوضاعة .
▪️هذه المقولة تعيدني لشعر كتبه عالم اللغة البليغ أبو هلال العسكري ، صاحب مؤلفات كثير أهمها كتاب الصناعتين ، الذي أبدى به عظيم علمه وجليل معرفته بالبلاغة ، وقد كان فقيرا يعاني من المجتمع فيقول :
إذا كان مالي مال من يلقط العجمْ
وحاليَ فيكم حال من حاكَ أو حجَمْفأين انتفاعي بالأصالة والحِجا
وما ربحت كفي من العلم والحكم؟ومن ذا الذي في الناس يبصر حالتي
ولا يلعن القرطاس والحبر والقلم؟ ‼️
ويقول أيضًا :
جلوسي في سوقٍ أبيعُ وأشتري
دليلٌ على أن الأنامَ قرودُولا خير في قومٍ يذلُّ كرامهم
ويعظمُ فيهمُ نذلهم ويسودُويهجوهمُ عنّي رثاثةُ كسوتي
هجاءً قبيحًا ما عليه مزيدُ
▪️يظهر أن معاناة أبي هلال العسكري مع الفقر رغم علمه وجميل ما قدمه للغة ينطبق عليه أيضًا ما قاله صاموئيل عن مؤلف المعاجم (يقصد ضمنيًا نفسه) وكل ذلك بشي برابط ما ، بين أن تعاني وأن تقوم بأعمال عابرة للأزمنة ...
أعجبتني هذه الأبيات لصاحب الصناعتين :
بُليت بهجران وفقرٍ وفاقةٍ
وكثرة حاجــات وثِقْل ديونِوأعظمها أن الزمان يسومني
وقوفًا على أبواب من هو دوني
مراجع:
علم البديع ، عبدالعزيز عتيق
غريزة اللغة ، ستيفن بنكر ، تـ الطيب الحصني ، ص١٩١ ، ط الأولى