مما يُعد من مواضيع فلسفة العقل الكبرى قضية ومشكلة العقل- الجسد ، تلك العلاقة بين العقل والجسد ، هل أنا جسدي ؟ أم أنا ذات ذهنية ؟ ما هي علاقة عقلي بجسدي ؟ هل الإنسان هو الروح أم الجسد أم الأثنين معًا ؟.
هناك عدة تصورات من أهمها :
١. الشخص شيء متميز تماما عن جسده ، فهو بمعزل عن الجسد وما الجسد إلا امتداد فيزيائي بالطبيعة وله صفات فيزيائية في حين أن الشخص/الذات هي امتداد ذهني بصفات غير فيزيائية .
٢. الشخص كيان مركّب . جزء منه هو الجسد وجزء منه هو الروح (جزء غير مادي).
الثنائية الديكارتية :
كتب "إدوارد جونثان لو" بكتابه مقدمه لفلسفة العقل فقرة توضيحية ترى بأن ديكارت له رؤيتان بالثنائية لكن السائد هي الرؤية الأولى ، يقول :
كثيرًا ما كتب ديكارت كما لو أنه يعتقد أن الشخص ، كأنا وأنت ، شيء ما مستقل تماما عن جسد الشخص ، في الواقع هذا الشيء ليس ماديا على الإطلاق ، وعديم كل الخصائص الفيزيائية مهما كانت ، وعلى هذا التفسير فالإنسان جوهر غير مادي - روح - هو في علاقة من نوع خاص مع جسد مادي معين ، الجسد الخاص به .
لكن في أحيان أخرى يتحدث ديكارت بدرجة أكبر كما لو أنه يعتقد أن الإنسان هو نوع مزجي من الروح اللامادية والجسد المادي بينهما علاقة غامضة من التوحد الجوهري .
(مدخل إلى فلسفة العقل ، إ. ج. لوو)
يخبرنا "جونثان لو" ، بأن "الثنائية الديكارتية " عادة ما يعنون لها الرأي الأول وهو أن الإنسان جوهر غير مادي بالكامل ، يمتلك خصائص عقلية وليس خصائص فيزيائية .
(الجوهر هو موضوع أو شيء من أي نوع قادر على المرور بتغيرات في خصائصه مع مرور الوقت ومع ذلك يبقى الشيء ذاته )
يرى ديكارت أننا نحن وليس أجسادنا موضع الخبرات ، فنحن من نفكر ونشعر لكن أجسادنا وأدمغتنا تفتقر للتفكير والمشاعر والشعور بنفسها ، وقد قدم عدة حجج للمفارقة بين العقل والجسد :
١. حجة إمكانية التصور Conceivability Argument
ويمكن تلخيص حجة ديكارت حول إمكانية التصور على النحو التالي:
لدي فكرة واضحة ومتميزة عن ذهني بصفته شيئا مفكرا لا يمتد في الفضاء
لدي فكرة واضحة ومتميزة عن جسدي بصفته شيئا غير مفكر ممتد في الفضاء
أي شيء أستطيع أن أتصوره بوضوح وتميز هو شيء يمكن أن يخلقه الله
إذن، يمكن لله أن يخلق عقلي شيئًا مفكرًا غير ممتد في الفضاء، وجسدي شيئًا غير مفكر ممتدًا في الفضاء.
لذلك، من الممكن أن يوجد العقل والجسد بشكل مستقل عن بعضهما البعض
إذن، العقل والجسد هما مادتان منفصلتان.
( مع أنها افتراضية لكن تأكيد ديكارت على إمكانيتها أقصد أن أكون موجودا بوعيي بلا جسد ، عرّضها للانتقاد ، لكن مفادها أن جسدك ليس أنت ، إنما هو آلة لك ، ومع ذلك فإن هناك نظرية أخرى "ثنائية الخواص" للمادة :
بعتقد البعض أن الخبرات الواعية هي خصائص غير فيزيائية للدماغ ، ونتيجة لذلك يشار لهؤلاء ب "ثنائية الخاصية" في مقابل ثنائية الجوهر
(في صحبة الوعي موسوعة بلاك ويل عن الوعي ، ص ٥٥٥، الطبعة الأولى دار الروافد)
لقد نالت حجة إمكانية التصور انتقادات لكنها صمدت في ظل النقاشات حول الإمكان والاستحالة ، سنناقش هذه الحجة بموضوع منفصل
٢. حجة قابلية التجزئة (عدم قابلية التقسيم)
يرى ديكارت أن الإنسان جوهر بسيط وغير قابل للتجزئة (وعيي بذاتي مثلا وبالعالم هو شيء واحد فأنا هو أنا حين أنظر أو أتكلم مثلا ولا أستطيع تجزئة ذهني ووعيي بذاتي لكن الجسد قابل للتجزئة فمن الممكن أن يكون المرء بلا ساق ومع ذلك فهو بذاته بصفته شخصا لم يتغير ، والجسد يتألف من أجزاء على العكس من الذهن/العقل ،
هذه الحجة وجدت معارضة لكن على طريقة الاعتراض اللغوية : من خلال التشكيك بكلمة "أنا" لكنها حجة واهية.
يتضح أن الحديث عن جوهر بسيط يصب في قول ديكارت "أنا أفكر ، إذن أنا موجود" ، فقولي "أنا أفكر" يعني وجودي أنا وليس غيري ، أنا بيقين تام أنني وحدي من يفكر (بذهني) ليس "نحن نفكر" ...(3)
٣. حجة الشفافية Transparency Argument
هذه الحجة خلاصتها : ذا كان ذهني شفافًا بالنسبة إلي فهذا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك شيء ما في عقلي/ذهني دون أن ألاحظ وجوده ، أما جسدي فليس شفافا بالنسبة إلي بالطريقة ذاتها ، وهكذا فجسدي وعقلي/ذهني غير متماثلين أي أنهما لا يكونان الشيء ذاته .
تعرضت الثنائية الديكارتية لانتقادات كثيرة وقد مال الاتجاه نحو ثنائية الخواص وفرضيات أخرى : الرؤية الاختزالية ، ورؤية الواحدية الانعكاسية وسنتطرق لها مستقبلا ،
من لديه إضافات فليتفضل والنقاش مفتوح ،،،،
المراجع:
١. موسوعة بلاك ويل في صحبة الوعي ص ٥٥٥
٢. مقدمة لفلسفة العقل ، إدوارد جوناثان لوو ، ص ٢٥ ، ص٣٠ -٣١
٣. فلسفة العقل ، إدوارد فيسر ، ص ٣٨
