
إن غريزة الفأس لم تجد شجرةً في جوانحي ولأن مأساة الوجود متمثلةً بالعطش من عادتها الابتكار شاءت الصورة أن تدفع كل تلك اللهفة للاحتطاب نحوي على غير جدوى.
يتشبث بي أمل رفيع، يحول بيني وبين العدم، فهذه الصحراء القاحلة في جوفي أدارت الكأس وأذاقت الردى مرارة المحاولة الفاشلة لأول مرة وهو ذاته ريشة الحروف المتقاطعة مع شبكية عيني، فها هي الأشياء على مسار آخر لم أجده في كتاب أو حديث وقد شاء الإلهام أن يكون دومًا مشعًا بالخيالات وللغة في انسكابي ما يثير دهشة القمر المضيء، ولا يعلو كل ذلك الآن سوى ما أشاهده هناك على الطاولة البعيدة حيث غيمتان من العطور تتجاذبان الدهشة الأولى.
( يتهاوى سقراط الآن، فالمسافة مكتظة بلغة أخرى)
- لن أعيرك اهتمامي هذه المرة –
– – لم أطلبك الشعر.
( أتحرك نحوي ممزوجا بالطوفان، أود أن آقول فلا أقول)
- بل قل.
– – سأستل نفسي من هذا الغمد وأعيد ابتكار معناي، فانظر لذاك الجبل لم يرحل، وقد منحه كل ذلك الجمود المعنى الأبدي أو على الأقل أبديته في مكانه، غير آبه بما يشير له التاريخ وما تتغنى به الأوراق.
- لكنه الصمت
– – غضضت سمعي وحملت في نظري : إنه ما أرداك وأثار بيننا كل هذه العداوات، وقد نبهتك لكنك أغويتني.
(أخذت سبابتيَّ وغرستهما في مسمعيّ ، وما أن فعلت، اتخذت الطاولة هيئة السيل، وأما الغيمتان فاستحالتا أغنيتين ، وقد قاومت كل ذلك ببسالة الأُسد الجائعة لكن الجوع ذاته له منطق آخر)
- قلت لك قل.
– – لن أقول فما بيني وبينك محيط من الخواء المرير، ولشيء في نفسي أريد رحلة أخرى تخص هذه المرة هويّتي، أناي ذاتها.
- يا جبان يا كل ما بأعمدة الكهرباء من حقد دفين على الشمس وطفيلية الاقتيات على الليل ونجومه، كن ما شئت أن تكون، كن نخلة أو نحلة، وارتق للسمو أو اهبط للقاع، لن تجد إلا الفكرة ذاتها لتغرق في هربك.ما هو المعنى؟ هل ظننت أنه دونك له وجود؟ إنك المانح والمانع وإنك أيضًا قبل أن يكون الطريق، الطريق ذاته، انظر إلي انظر يا جبان:
السيفُ محمولٌ بلا أملِ
– – ماذا لديهِ لعاشقٍ ثملِ؟
،
قلّبتُ تاريخي على عجلٍ
فانقضَّ نحوي طالبا أجلي
،
أهوى الحياةَ فليتها بذَلت
بالشعر والأشواق والقُبَلِ
،
شيئًا يليقُ بشمعةٍ صدقت
في دمعها من حُرقةِ الجُمَلِ
،
وأتوهُ في شفتي، وفي رئتي
تنهيدةٌ من عالم المُثُل
،
يا أيّها المعزوفُ مقتحِمًا
بجموحه قيثارةَ الخجلِ
،
أبديتني للحن منتشيًا
وتركتني للوابل الهَطلِ
،
سيلُ الخيال على سجيّتهِ
يُحكى بتأويل ومُحتمَلِ
،
وقصيدتي طقسٌ يطهرُنِي
إن شاء أو أمضى إلى زللِ
،
يا شاعرًا بالصدر منبعهُ
وضفافهُ بالهُدْبِ والُمقَلِ
،
ما ذنبُ أنفاسي مقيدةً
بالوزن والإيقاع والعَذَلِ؟
،
دعني بقولٍ لا ينازعُنِي
عرشَ المنى أو هيبةَ الأزلِ
،
السيفُ مسجونٌ بذاكرتي
أودت به الحَسْنا ولم يزلِ
عصام مطير