آراءآراء فلسفية

الشعور لا الكيمياء والأرقام..

أقفُ على صخرةٍ من صخور الشاطئ العملاقة، مرتفعًا عن الأرض عدة خطوات، متأملًا صداقة البحر والريح وقد صادف وجودي في المكان، طائر اللقلق الذي حرص على إثارة تفكيري بجعله مسافةً ثابتةً بيني وبينه فكلما اقتربت منه ابتعد ليوحي إليّ بأنه من الكائنات التي تحمل قدرة عبقرية في المحافظة على وعيها بالحياة ونقاء سريرتها بإبعاد الغرباء والدخلاء والشياطين المتطقسة، وقد كسب إعجابي ، وجزءًا نابضًا من ذاكرتي، وها هو الموج الآن يلقي بنداءاته على كتف الشاطئ، ليدعوه للاستمرار على طبيعته وقد زادني ذلك تأملًا وخروجًا من مركزيتي وإمعانًا بالنسيان.

 إن التأمل الذي أعاقره هو الذوبان الهادئ بذات الشيء، والانطلاق منه نحو العالم لنبصر ولادته من جديد، أي أننا حين نتأمل إنما نعيد شعورنا لماضيه في اصطياد الدهشة والنظرة الأولى، أو نحاول ابتكار طريقة للفرار من سطوة الزمن والذاكرة بالذهاب إلى الأشياء ومنحها فرصة للحديث الحر بلا سابق إحداثيات وحين التخلي عن الأحكام والمواقف السابقة إزاء ما نتأمله،نبدأ بمنحه المعاني الجديدة بناء على قدراتنا العقلية المتقدمة ومشاعرنا التي تطورت مقارنةً بأوقات مضت رأيناه فيها وكونّا له معاني خاصة بأذهاننا وذاكرتنا ثم ظلّ جامدا، فمن يرى الموج بالعاشرة، لن يراه بالمعنى نفسه بعمر آخر.

إنَّ التأمل، أن نطلق سراح الرماد ونبعث النائمين في أعماقنا ليتقمصوا أدوارًا جديدة بمشاعرنا تمنح عناصر الكون توهجًا يناسب تقدمنا بالعمر، فلن يتأمل الناشئ بل الذي وجد أن معاني الحياة تحتاج لإعادة ضبط، وأن الذاكرة لم تعد مناسبة لمنح القيم الحية، وهذا شأن التشبث بالبقاء على قيد الحياة ومن هذا أيضًا نشأت فكرة الشاعرية، حيث العودة والإصرار على الحياة، التوهج بالشعور والرغبة، البحث عن الصبا وما كنا نشعر به حين نقول كلمة مستقبل.

إن التأمل قد يكون اضطرارًا دفعت به الظروف للمرء، وقد يكون جزءًا من أجزاء الشخصية الشاعرية، وقد يرتفع لمستوى الوقود الشعري للقصيدة فإن كان اضطرارًا فهو عمل شعري، لكن بأسلوب آخر، أن يكتب المرء قصيدة بالصمت والبحث عن الشعور المفقود في أعماقه بلا كتابة، وإن كان شاعريةً فهو تفريغ للعاطفة الثائرة، والرغبة المكبوتة المكبوتة، واقتراب من الخالق لو أحسن المرء في ظنه ونيته، وإن كان بمرتبة الوقود الشعري، فمن المعلوم لأهل الصنعة، أهل التبتل بالضباب، أساتذة الخيال ، وعلماء السراب أن التأمّل قلب الشعر النابض ومن خلاله يبدع الشاعر نصوصه، يبدع بمعنى أن يأتي بجديد وليس التكرار الذي نراه،

وبعد هذا انتشلت نفسي من حواراتي واتجهت نحو وادي الحفيرة شرق مدينة الوجه، متأبطًا شاعرية الطريق الذي تعمل الجبال المتناوبة بالظهور عن يمينه ويساره على توجيه ذهني لفكرة التلحين الموسيقي ، إذ تأخذ بارتفاعاتها المتفاوتة، وألوانها المتقاربة، تهيئة وتشكيل معنى المعزوفة، ثمة ارتباط منظم في عشوائية الظهور، والأودية العشبية الصغيرة محاولات للغناء، محاولات لإيصال رسالة ما، ثم أخذني الطريق لحفلة تأملية أخرى، فالسحاب المستلقي على بطنه لاقتناص الأغنية، خليقٌ بالتوقف عن كل شيء عدا النظر إليه وتزويد المخيلة بعناصر الشعر الأساسية، وقد راحت مقلتاي في معانقة الإيقاع مسافةً أشبه ببدء الورود رحلتها في تمجيد الألوان ويا له من جمال هذا الذي أبصره بوداعة الغدير هناك، فموجات الماء التي تنشأ ببطء وتختفي بلا سابق إنذار، وما يتبادر ويخبو في القاع، والرقص المضيء على مسرح الأعشاب النائمة بالأطراف، يدفعني المشهد برمته للذوبان فيه والشعور به،

وبينما أنا في نعيم اللحظة، جاء مدرس الكيمياء الذي أعرفه جيدًا، المصاب بمرض العلم والمقيّد بسلاسل المعادلات، فامتدت يده اليمنى لتصافحني في حين تحمل الأخرى خنجره المسموم، وانطلق من عليائه قائلا:

“هل ترى هذا الماء؟ إنه مجرد جزيئات مكونة من ذرتين هيدروجين مرتبطتين بذرة أكسجين ، وقد أخذت الروابط الأيونية دورها الكيميائي في تكوين الجزيء، ومزيج الماء يحمل كثافة وتجري عليه قوانين المحاليل حيث…”

وأخذ الكيميائي البائس يسهب في شرحه، وبكل جملة يقولها تتمزق الصورة وتنتحر النظرات وأغرق أغرق تحت الماء لكن ليس على طريقة نزار قباني في قصيدته الشهيرة بل على أسلوب الأحجار الملقاة من صبية يعبثون أمام البحر.

إن الرؤية العلمية أقصد النظرة التي تختزل الحياة بالكمية والرقمية والحتمية، تأخذنا لخيال مكبل بما تقوله لنا القوانين والتجارب، فنحن فيها نبحث عن أصغر ما يكون لنفهم به كيفية عمل ووجود الأشياء والظواهر حيث الاستقراء العلمي يدفعنا للتخلي عن وعينا الظاهري أو التقليل من شأنه لصالح التكوينات التي نثبتها أو نحاول اكتشافها بالمختبرات، ثم إن علينا النظر بالجمال بصفته امتدادا لشعور كامل بالواقع واللحظة، وبقدر ما نحدد نظرتنا نفقد الكثير من الفرص والتجارب الجمالية، ولأننا بعصر العلم والحضارة فنحن بعصر الانحسار للإنسان الذي هو الفرد في ذاته وتعاظم للشخص الذي هو الفرد في مجتمعه، وكما أن المجتمع أصبح ضخما في كثافته التواصلية والترابطية بفعل التقنية وأدوات الدولة الحديثة فإن الذات الحرة فقدت بالقدر نفسه الشعور كما ينبغي بالأشياء والطبيعة نتيجة هذا الاختطاف بالنهاية.

كيف يمكن للعلم أن يشوه شعورنا؟

لقد اتخذ الفرد منا موقفا من الطبيعة رغما عنه، فهو مجبور على العمران، ومُلزم بالقانون ولم يتوقف المرء في حدود تضييق النظر، وتكتّل الكسل علي هيئة مسارات محددة بل على المرء منا مجبرا أن يسير مع التيار، والحضارة اليوم قد اتجهت أكثر وأكثر نحو التقنية بكل شيء، وإن كانت الشاشة قبل ٣٠ سنة مرتبطة بالتلفاز، فاليوم نحن مكبلون بها تماما، وقد قتلنا القلم أو نكاد أن نفعل، وكل هذه التغيرات دفعت لتشويه شعورنا بالحياة، فالعلم هنا بمظهره التقني وطريقة العيش لا ينكر أثره الخطر أحد، لكن الأمر ليس على الجوانب السلبية كالتلوث وقلة الحركة، بل حتى على نظرتنا ووعينا بالحياة، فالتجربة الحياتية هي تجربة شعورية، وإن كان للعلم دور كبير في التطور وأدوار أخرى بتدهور السلوك مع جدل هنا أو هناك عن مدى دقة هذه الجمل، فإننا لا نختلف بأن التفكير العلمي لا يصلح للشعر، وأدوات المختبر لا تصلح القصصيات الشعرية، وأن لغة العلم المنكرة للمجاز أو لا يصح فيها الخيال الجمالي ، هي ذاتها دليل على أننا في عالم الضيق، وإذا كان المزارع ينظر للتفاحة بطريقة تختلف عن التاجر، والشاعر فإن الكيميائي سينظر بما هو أسوأ ولو جزئيا، وإذا نظرنا لابن المدينة الذي يعيش في التفكير العلمي، وإن كان غير مكترث بالعلوم إلا أنه يعيشها ويتطبع بطباع التعاليم والقوانين، لوجدناه أقل في وعيه بالجمالي من ابن القرية والرياض الفسيحة، مع عدم إنكارنا لوجود عوامل جسدية وثقافية بالموضوع.

إنه لا يمكننا النظر لكل هذه الهجمات التدميرية لعقل الإنسان باسم العلم عبر المدينة والمصانع وتنميط الشعور وتوجيهه للأرقام والعناصر والحسابات ونضع أيدينا بعيدا عن سلاح الحرف، خصوصا بأن العلم التجريبي لم يعد سوى مشروع تدجين بشري للمصنع والإنتاج، وإن المرء قد يعاني الكثير من الصراعات النفسية وهو لا يعلم أن القيود النفسية التي تسببت بها الحضارة دفعت لكل هذه الصراعات، عبر تشويه الشعور ذاته، وعليه فلننظر للدراسات التي ترد الحياة للأسس العلمية، في المعرفة تاركين خلفهم كل هذا الثراء الشعوري بتضييقه بالاشتراطات العلمية لفهمه، لننظر بعمق ونسأل عن غرض هذا الفهم وتلك المعرفة المرتبطة دوما بالتركيب والتصنيع إننا ندرك أن الإدراك يكفي للتجربة الحياتية وأما الفهم بمعنى التكوين وكيف يتشكل ومما يأتي، فهي نظرة استعمالية تهدف بالنهاية لتحقيق مآرب المصنع وأربابه وإن كان هناك ما يستحق الإشادة بالاكتشاف والمعرفة العلمية لكن ينبغي أن نكون يقظين أمام تفاقم المشكلة العلمية بهذا العصر ومحاولة تقنين الشعور عبر الآلية والنظرة التفكيكية لما أمامنا وهي بالنهاية لاستعماله وإبرام الثبور فيه.

 تبرز بتضخيم العلم التجريبي وتحويله لطرق تفسيرية وتفكيرية أدق من غيرها في تجربة العيش ومن ثم تعظيم النفعية الاستعمالية والامتلاك، أقول تبرز في كل ذلك خطورةٌ على “الجمال” والشعور به ، فالظاهرة الفنية تحديدًا هي خليط شبه متجانس وغير مفهوم العلاقات بين مستويات تركيبية (علمية فيزيائية ليست غالبا بمرأى العين أو الحس) وأخرى ظاهرية (الشيء كما يبدو لنا)،  بعض ما فيها لا يمكننا فهمه واختزاله ، وإن إرجاع الجمال لبُنية هو ذاته أسوأ بكثير من إرجاع الحياة لمستوى الذرات والجزيئات.

 ثم إن العلم  يقتل الجمال الذي هو تجربة شعورية تلقائية حرة من عدة زوايا هنا بعضها من باب السرد: 

◾️صرف الذهن -ولو جزئيا- عن الانسجام والتلذذ والشعور بالظاهرة الجمالية، (تجربة الجمال) إلى التكوين والمركّب والنظرية الذين جميعا يعيقون تدفق التجربة الجمالية عبر التذكّر الواعي للمعرفة، مثلا :
أشاهد شجرة مثمرة، وأسمع غناء العصافير، وأشم شذى الورد، والأضواء المنعكسة تثير بي حيوية النظر، بالإضافة للكثير من الأمور البادية بالمشهد الجميل، ولكني لو فكّرت (ولو للحظة) بمعادلة تحويل الضوء بكيمياء الورقة الخضراء، فإني قاطعت التجربة الجمالية بالتذكر واستحضار المعلومة وما يخصها من خطوات ونتائج، قد يشعرني ذلك بلذة المعرفة لكنها أقل بكثير من لذة الجمال الذي أعيشه وقد غادرته بفعل العلم ذاته.

◾️التأمل شعورًا ليس التأمل فهمًا واستنباطًا، الأول يصب في حشد طاقة الروح والعقل في جمع ما يمكنني من هذه الثروة الجمالية خلال الزمن الذي أقضيه في لحظتها مثلا :
أنا على الشاطئ، منبهر بزرقة البحر وذهبية الرمل، والموج الذي يريد أن يقول ولا يقول، أمد لكل هذا ذهني، وأصمت، وأما ما بي من تدفق للوعي فأوجهه تماما نحو الموج، أنا هنا أتأمل للشعور وليس لأني أريد وضع قاعدة. 
أما التأمل للفهم والاستنباط فهو صراع بين ذوات الأشياء وعلاقاتها في ذهني، ومحاولات مكثفة لتمرير قواعد النحو للرياضيات، للجغرافيا، للمعقولات، للمشهد الذي أراه، إنه حلب الذاكرة بيد النظر في الظاهرة التي أمامي، وهذا لا علاقة له بالجمال بل باختزال/اختصار المشهد وإرجاعه لقواعد نظرية نعتقد بأنها هي أسس المشهد، لكنها حتما بالنسبة للحمال ستظل ناقصة . 

◾️الجمال يشترط الجهل والنسيان، من جهة، والرغبة وطاقة الحياة/الروح من جهة أخرى. متى ما وضعنا قاعدة ما واعتقدنا أنها تفسر لنا أي شيء جميل أمامنا، نكون هنا قد حاولنا اغتيال الجمال عبر إهانته بالمعرفة، وبالوقت ذاته نكون قد اغتلنا اللذة في أنفسنا لأن المعلوم المجرب ضد الحديث والجديد الذي لم نتخذ موقفًا منه، وليس في ذاكرتنا من شوائب ومتعلقات سيئة ضده، وبهذا فنسبة الانبهار به ستكون عالية حال كونه جديدا، والانبهار موقف من الجميل وهو حكم نفسي تلقائي. 
بخصوص الرغبة وطاقة الحياة فهي دلالة على الروح ونشاطها، (لا أقول برأي فرويد الجنسي عن طاقة الليبيدو، لأن الجنس هو أيضًا امتداد لشكل أعمق يمثّل طاقة الحياة الأساسية ، الخلاف هنا بعضه لفظي وبعضه الآخر يخص الاختلاف الوظيفي بين أنسجة الجسم فيما يخص الشعور واللذة) .

◾️ صرامة المأمونية بالعلم.
من الواضح لي أن الخطر مثير شعوري رائع للحياة ، وهو يعمل بذواتنا بأشكال مختلفة ، بعضها عميق قديم أن تدرك منذ صغرك أن هناك عالم خطر بالخارج مما يجعلك أيضًا تعي أهمية والديك ، وبعضها سطحي مثلا ( علي أن غسل يدي مخافة عدوى مصافحة شخص يعطس ) ، والشعور بالخطر يأتي على هيئة قلق ، كوابيس ، هلع ، شكوك ، سوء ظن ، إلخ وقد يأتي انجذابا ولذة، (إذا كان ضئيلا) أو بناء على شخصية وتركيب بعضنا (القيادي)، (الثائر)، (المنتقم) وأيضًا وبشكل ملحوظ لي: (محب الجمال)وهو أيضا بمقادير أقل مرتبط بأي تجربة جمالية عند الجميع ، وما شعورنا بالأمان في التجربة الجمالية سوى راحتنا من أخطار كبرى عبر الانزواء والاحتماء بخطر ضئيل يمثله الغموض، لكن العلم هو تدمير للخطر الضروري لبقاء اللذة، فلا لذة نجدها على سبيل المثال في قولنا ٣+٥ يساوي ثمانية، إنها ستبقى هكذا دائما مأمونة الجانب وبالتالي لا حيوية بها أي لا إمكانية للجمال.

◾️المعرفة توحي بالاقتناء والشبع والجمال يتطلب لتوهجه الجوع والحرمان أو سرعة ظهورهما بالذات حين الغياب ، أو بقاءهما في حال العشق والهيام . 
إن العلم فعليا يشعرك (أو يوهمك ) بأنك قد امتلكت الظاهرة باعتقادك فهمها، وبالتالي فإن شعور الحاجة أقل وتقدير جدواها يصبح بأدنى مستوياته.

خفوت الشعر مقابل المعرفة العلمية

يبقى هذا السؤال قائمًا : كيف يعيش المرء بمدينة تحجب عنه جمال الغروب والشروق، وبديع التلال والجبال، وبلاغة الواديان، وشاعرية النسيم، وحرية النظر بالمدى، ثم لا يعرف أن كل ذلك الحرمان، ضد الصحة العقلية والنفسية؟! بل حتى خفوت الشعر في مكانته التواصلية الجمالية اليوم مقارنة بما كان يقوم به من أدوار في تاريخ البشرية، ليشير كل ذلك إلى تدهور الشعور بالحياة ذاتها.

إن المدينة ليست إلا المعرفة العلمية التطبيقية، لننظر لمدن اليوم ماذا بها؟ إنه العلم بكافة إمكانياته، فلا يمكننا أن ننسب له كل هذه المنافع دون النظر في الضفة الأخرى، حيث هيمن المجتمع وتضخم الشخص الموحد إزاء الذات النواة التي يمثلها الإنسان بأعمق ما في الذات، أي الشعر في نزعته للطبيعة والجمال، وها نحن نبصر كيف تتمزق صورة الرسام وجدواه بتقدم الذكاء الاصطناعي وقدرته على الرسم عبر توجيهه، وإن كان الشعر تجربة ذاتية بالأساس، فإن تضخّم الشخص أي المجتمع يدفع لتحويل الذوق الأدبي لمستوى نصوص الذكاء الاصطناعي أيضًا، فذاكرة المرء منا لم تعد طبيعية، وعلاقتنا بالألفاظ ليست هي علاقة أجدادنا بها ثم ألا تلاحظون ارتباط العلم بالضيق والزحام مقابل أن تكون جاهلا ولديك ارتباط وثيق بالرضا على طبيعة الكون ورحابته؟

للحديث بقية

0 0 votes
تقييم الأعضاء

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض