ولكن كيف تتجلى الشاعرية؟ إنها تتجلى في كون الكلمة تُدرك بوصفها كلمةً وليست مجرد بديل عن الشيء المسمى ولا كانبثاق للانفعال ، وتتجلى في كون الكلمات وتركيبها ودلالتها وشكلها الخارجي والداخلي ليست مجرد أمارات مختلفة عن الواقع بل لها وزنها الخاص وقيمتها الخاصة.
جاكبسون / قضايا الشعرية
وعلى المنوال ذاته نجد سارتر يقول بمعاني مقاربة في كتابه ما هو الأدب حين يتحدث عن الشاعر :
"إن الشاعر أبعد ما يكون عن استخدام اللغة أداة ، وقد اختار طريقا لا رجعة به ، وهو طريق فرضه عليه مسلكه الشعري باعتبار الكلمات أشياء في ذاتها وليست بعلامات لمعاني"
سارتر / ما هو الأدب؟
▪️ثمة غياب للظاهرة الشعرية بصفتها وجودًا نعيه حين نركز فيما يدفعنا للوعي بـ "الشعر" ، أو ما نعده "شعرًا" ، هل كون الكلمات قد تجاوزت ظهورها المعتاد ، حيث نتأملها ونتفحصها وننتبه للإيقاعي بها ، وتظهر بالتزامن مع دلالتها ، كأشياء نتجه إليها ، هل كونها كذلك دفعنا للإحساس والوعي بالشعر؟
هذا يذكرني بمحاولة العلم تفسير العاطفة/الانفعال :
هل العاطفة هي تغيرات فسيولوجية أولًا ثم بعد ذلك نعيها كما هي نظرية جيمس-لانج؟
أم أنها تغيرات فسيولوجية وانفعالات نعيها تحدث بالتزامن كما هي نظرية كانون-بارد؟
أم أن التفكير لابد أن يحدث أولا ثم بعد يحدث الانفعال كما هي نظرية لازاروس؟
▪️ سنلاحظ حين استعمال التفكير العلمي ، أننا نسعى في مسار الترتيب ، والقياس ، والزمن ، وأننا نتعامل مع الظاهرة بصفتها تركيبًا ، وبالتالي فهناك جزء أهم من جزء ، ومع ذلك فإن آخر التعاريف للعاطفة هذه الأيام أنها متلازمة :
"فإن العواطف ليست قوى سببية ولكنها مجرد متلازمات للمكونات ، والتي قد تشمل الحوافز والشعور والسلوك والتغيرات الفسيولوجية ، ولكن لا أحد من هذه المكونات هو العاطفة. كما أن العاطفة ليست كيانًا يسبب هذه المكونات"
▪️إن الظاهرة ، تنطوي على وعي بها ، أي أنها تصرح ضمنيا في كونها دائما فوق العلم وطرقه ، فهي أيضًا جزء من الذات ، عالم الوعي الخفي عنا ، الذي هو فوق العلم ، وبالتالي فإن الشاعرية التي نتناولها من منطلق مشابه لفسيولوجية الانفعالات ، فلنقل فسيولوجي اللغة ، لا يمكن أن تفسر لنا تمامًا ظاهرة الشعر ،
▪️النسيج اللغوي ، يظل الجسد الذي يلازمه دومًا غموض الروح ، ومعضلة الوعي ، والذاتية ، وهو جزء مهم في التكوين الشعري لكنه وحده لا يفسر لنا الشعرية.
▪️من الممكن تفسير الشعر بأنه نداء موازي ومشابه للصوت العميق ، في ذواتنا ، وأن الكلمات التي نسعى لها بالنص وتثيرنا ، هي بالأساس تحمل شعرية خاصة بها في اللغة وبالذات كذلك ، فالنفس التي وعت وانطلقت نحو التفكير بالأشياء كانت منذ البداية تزامن بين الصوت والصورة عبر اللفظ ، وتزامن كذلك بين الأنا التي هي إرادة وبين الأنا التي هي ذاكرة من خلال الكلمات ، وبهذا فذات الإنسان (المتكلم) هي ذات لغوية ، وهو لا يمكنه أن يتوغل بأعماقه أو بالخارج بلا كلمات ، وهذا يفسر لنا الشعري باللفظ ، فاللفظ هو الذكرى ، هو ارتباط بين التجربة والعاطفة والأنا، ومن هذا فاللفظ بالشعر هو اللفظ بالذات ، وإن ميلنا نحو الشعري هو ميلنا نحو الذاتي ، والشعر هنا ظاهرة نعيها بتكويناتها كلها ، لكن اللفظي بها هذا منشأ السحر الذي فيه .
للحديث بقية ، وسؤالي بالنهاية لكل شخص :
ما هو الشعر بالنسبة لك ؟ نقصد ما الذي يجعل الشعر شعرا؟ لقد أبديت رأيي فحياكم بهذا النقاش الحر …