نظرت إلى الهلال بتأملاتي الليلية ، وزادني فيه دهشةً قصة بيت الشعر الذي قاله ابن المعتز واصفا به هلال عيد الفطر :
وانظر إليه كزورقٍ من فضةٍ
قد أثقلتهُ حمولةٍ من عنبرِ
إنه تصوير بديع وتشبيه مدهش حشد فيه الجمال ، وصاغه بخيالات ، وللبيت هذا قصة بكتب الأدب أيضًا ، نجدها عند ابن رشيق بكتابه العمدة وعند مؤلفين وعلماء آخرين فقد
قيل لابن الرومي لمَ لا تشبّه تشبيه ابن المعتز وأنت أشعر منه ؟؟
فقال بعد أن سمع البيت وأبيات أخرى :
"واغوثاه ، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، ذاك إنما يصف ماعون بيته لأنه ابن الخليفة ، وأنا مشغول بالتصرف في الشعر وطلب الرزق به ، أمدح هذا مرة ، وأهجو هذا كرة ، وأعاتب هذا تارة ، وأستعطف هذا طورًا "
▪️هذا التعليل الذي وضعه ابن الرومي يحقق ويؤكد ما قاله #فرويد عن الشعراء :
"إن الشعراء والروائيين ، هم أعز حلفائنا ، وينبغي تقدير شهادتهم أحسن تقدير ، لأنهم يعرفون أشياء بين السماء والأرض لم تتمكن بعد حكمتنا المدرسية من الحلم بها
وهُمْ في معرفة النفس شيوخنا "
▪️لقد استطاع ابن الرومي أن يعي أثر المحيط والحياة الاجتماعية على خلق الصور وحسن التشبيه والأسلوب ، وما هذا إلا لأن الشاعر يدرك نفسيًا عن العالم وأثره فيه وبلغته ما لا يعرفه الآخرون ، وبهذا فإن فرويد ذاته أدرك هذا الجانب وتحدث عنه ...
▪️ لم يكن الإنسان بعصر ابن الرومي يعي فكرة : اللاوعي ، لكننا اليوم نفهمها جيدًا ونعلم أن الفن / الشعر ليس إرادة واعية تامة بل أن هناك ما هو امتداد للاوعي في إنتاجه ،
يقول محسن عطيه في كتابه مرآة الخيال - رينيه ما جريت :
أجريت في مجال الإبداع على أساس أن الرؤية الفنية هي تعبير عن عالم ماوراء الوعى.
إذ أن خيال الفنان يتبع مسارات شخصية،..،وذلك ما يفسر دور اللاوعى في تطوير الأفكار الفنية .
فالإرادة وحدها لاتحقق الفن، بل يخضع الفن كذلك طواعية للاوعى ويمتلئ الفن بما يشير إلى الحياة اللاواعية، مما يفسر الأفكار الغامضة والأشكال المجازية والاستعارات التى حولت تخيلات الفنان إلى حقائق من نوع جديد،
وجعلت من الأساطير ومن الغوص في أعماق الإنسانية مجالاً تستقى منه صيغاً للتعبير عن الحقائق المجهولة."
▪️إن في قول ابن الرومي ، التحليلي والتلقائي ما يشير إلى الماضي ، النشأة ، الحاضر ، الطبقة الاجتماعية ، وبه أيضًا ما يشير نحو المتلقي ، فالمتلقي عند ابن المعتز غير المتلقي عند ابن الرومي وهذا يحيلنا أيضا
لقصة بشار بن برد مع جاريته
"فقد قيل له : إنك لتجيء بالشيء الهجين المتفاوت؛ قال: وما ذاك؟ قيل: بينما تقول شعرًا يثير النقع وتخلع به القلوب مثل قولك:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما
إذا ما أعرنا سيدًا من قبيلة ذرى منبر صلى علينا وسلما
تقول:
ربابة ربة البيت
تصب الخل في الزيت
،
لها عشر دجاجات
وديك حسن الصوت
،
فقال: لكل وجه، فالقول الأول جد، وهذا قلته في ربابة جاريتي، وأنا لا آكل البيض من السوق، وربابة لها عشر دجاجات وديك، فهي تجمع لي البيض، فهذا عندها أحسن من «قفانبك» عندك"
ما رأيكم حول الأسلوب ، ماذا عن اللغة وأثرها ؟ هل للشاعرية بيئة ؟ هل الأسلوب تربية؟؟
لمن أحب أن يجيب أو يضيف ، شاركنا الرأي بهذا النقاش ،
