المقابلة

المقابلة هي أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معانٍ متوافقة، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب، كقوله تعالى : (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى) 

وكقوله تعالى (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)

 وقال صلى الله عليه وسلم للأنصار (إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع) 

وقال خالد بن صفوان يصف رجلا: ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية –

 وكقوله:
فتىً كان فيه ما يسرُّ صديقَهُ
ولكنَّ فيه ما يسوءُ الأعاديا

وكقوله:
وباسط خيرٍ فيكمُ بيمينهِ
وقابض شرٍّ عنكمُ بشمالهِ

كقوله:
ما أحسن الدينَ والدنيا إذا اجتمعا
وأقبح الكفرَ والأفلاس بالرجلِ

وكقوله:
يا أُمّةً كان قبحُ الجور يُسْخِطُها..
 دهراً فأصبح حسن العدل يرضيها

مصطلح المقابلة بالتاريخ الأدبي

يُعدُّ قدامة بن جعفر من أوائل من ذكرها من علماء اللغة والأدب حيث يقول : ”والذي يسمى به الشعر فائقا، ويكون إذا اجتمع فيه مستحسنا صحة المقابلة، وحسن النظم، وجزالة اللفظ، واعتدال الوزن، وإصابة التشبيه، وجودة التفصيل، وقلة التكلف، والمشاكلة في المطابقة.

وأضداد هذا كله معيبة تمجّها الآذان، وتخرج عن وصف البيان“

الفرق بين المطابقة والمقابلة:

المُقابلة في علم البديع هي الإتيان بكلمتين أو أكثر ثم الإتيان بضدهما، على نحو (يفرح الناجح، ويحزن الراسب)، هنا (يفرح ضد يحزن)، و(الناجح ضد الراسب)، نلاحظ أن الطباق (المطابقة) يكون بين لفظين ضدّ بعضهما غالبًا مثل (الليل والنهار)، (يعلم ويجهل)، أمّا المقابلة فتكون بين أكثر من ضدين وقد تصل إلى ثلاثة أو أربعة

والفرق بين المطابقة والمقابلة يأتي من وجهين: أحدهما أن المطابقة لا تكون إلا بالجمع بين ضدين في نثر أو شعر ، أما المقابلة فتكون غالبا بالجمع بين أربعة أضداد: ضدان في صدر الكلام وضدان في عُجُزِه ، بالنسبة للشعر وقد تصل المقابلة إلى الجمع بين عشرة أضداد: خمسة في الصدر وخمسة في العجز .

والثاني: أن المطابقة هي ذكر الشيء وضده فهي لا تكون إلا بين ضدين، على حين تكون المقابلة بالأضداد وغير الأضداد، ولكنها بالأضداد تكون أعلى رتبة وأعظم موقعا، نحو قوله تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ،

.

فانظر إلى مجيء الليل والنهار في صدر الكلام وهما ضدان، ثم قابلهما بضدين: هما السكون والحركة على الترتيب، ثم عبر عن الحركة بلفظ مرادف فاكتسب الكلام بذلك ضربا من المحاسن زائدا عن المقابلة؛ ذلك أنه عدل عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل، لكون الحركة تكون لمصلحة ولمفسدة، وابتغاء الفضل حركة المصلحة دون المفسدة.

ومن أمثلة هذا النوع أيضا قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ*. فقد أتى في كل صدر الكلام وعجزه بضدين، ثم قابل الضدين في صدر الكلام بضدين لهما في العجز على الترتيب.


أنواع المقابلة:

المقابلة تأتي على أربعة أنواع على النحو التالي :


نحو قوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً

ونحو قوله عليه السّلام: (إن لله عبادا جعلهم مفاتيح الخير مغاليق الشر)، 

وقوله أيضا للأنصار: (إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع). وكقول رجل يصف آخر: «ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية».

ومن مقابلة اثنين باثنين في الشعر قول النابغة الجعدي:

فتى كان فيه ما يسر صديقه … على أن فيه ما يسوء الأعاديا

وقول المعري:

يا دهر يا منجز إيعاده … ومخلف المأمول من وعده

ومن مليح هذه المقابلة وخفيها قول العباس بن الأحنف:
اليوم مثل الحول حتى أرى … وجهك والساعة كالشهر
فقد قابل اليوم بالساعة، والحول بالشهر، لأن الساعة من اليوم كالشهر من الحول جزء من اثني عشر جزءا.

نحو قوله تعالى: يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وقول علي بن أبي طالب لعثمان بن عفان: «إن الحق ثقيل وبيّ، والباطل خفيف مريّ».

ومن أمثلتها شعرا قول أبي دلامة:

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا … وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل

نحو قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى. وقوله: اسْتَغْنى مقابل لقوله: اتَّقى لأن معناه زهد فيما عنده واستغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة، وذلك يتضمن عدم التقوى.

ومن مقابلة أربعة بأربعة أيضا قول أبي بكر الصديق في وصيته عند الموت: «هذا ما أوصى به أبو بكر عند آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها»، فقابل: أوّلا بآخر، والدنيا بالآخرة، وخارجا بداخل، ومنها بفيها.

ومنه شعرا قول أبي تمام:

يا أمة كان قبح الجور يسخطها … دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها

وقول جرير:

وباسط خير فيكم بيمينه … وقابض شر عنكم بشماله

وقول ابن حجة الحموي:

قابلتهم بالرضا والسلم منشرحا … ولوا غضابا فواحربي لغيظهمو

فالمقابلة هنا بين «قابلتهم وولوا» و «الرضى والغضب» و «السلم والحرب» و «الانشراح والغيظ».

قول الشاعر:

بواطئ فوق خد الصبح مشتهر … وطائر تحت ذيل الليل مكتتم

فالمقابلة هنا بين «واطئ وطائر» لأن الواطئ هو الماشي على الأرض، والطائر هو السائر في الفضاء، وبين «فوق وتخت» و «خد وذيل» لما بينهما من معنى العلو والسفل، و «الصبح والليل» و «مشتهر ومكتتم».

ومنه قول صفي الدين الحلي:

كان الرضا بدنوِّي من خواطرهم … فصار سخطي لبُعدي عن جوارهمو

فالمقابلة بين «كان وصار» و «الرضا والسخط» و «الدنو والبعد» و «من وعن» و «خواطرهم وجوارهم» على مذهب من يرى أن المقابلة تجوز بالأضداد وغيرها.

ومنه أيضا قول أبي الطيب المتنبي:

أزورهم وسواد الليل يشفع لي … وأنثني وبياض الصبح يغري بي

ومقابلة «الليل بالصبح» لا تحسب إلا على المذهب القائل بجواز المقابلة بين الأضداد وغيرها. أما على المذهب القائل بقصر المقابلة على الأضداد فقط فإن المقابلة بين «الليل والصبح» تكون غير تامة؛ لأن ضد الليل المحض النهار لا الصبح.

قول الصاحب شرف الدين الأربلي:

على رأس عبد تاج عز يزينه … وفي رجل حر قيد ذل يشينه

فالمقابلة هنا بين «على وفي» و «رأس ورجل» و «عبد وحر» و «تاج وقيد» و «عز وذل» و «يزينه ويشينه».

ويرى علماء البديع أن أعلى رتب المقابلة وأبلغها هو ما كثر فيه عدد المقابلات شريطة ألا تؤدي هذه الكثرة إلى التكلف أو توحي به.

كذلك يرون أن المقابلة بالأضداد أفضل وأتم، وهذا هو مذهب السكاكي؛ فالمقابلة عنده: أن تجمع بين شيئين فأكثر ثم تقابل ذلك بالأضداد، وإذا شرطت في أحد الشيئين أو الأشياء شرطا شرطت فيما يقابله ضده.


ماذا يهم الشاعر والأديب من المقابلة؟

المقابلة بالمعاني تحقق عدة أهداف كتابية ومنها الإيجاز بإشعال انتباه القارئ ورفع مستوى الإدراك بالفكرة من خلال مقابلة فكرة بأخرى بالسطر ، وهي جمالية أيضًا تبين براعة الكاتب في إيصال المعاني المتضادة بما يحقق معناه الأكبر الذي يقصده ويريد إقناع القارئ به


ما على الشاعر/والأديب عموما فعله حال النظم والتعبير / شرح وتدريب كتابي لتطوير المهارات :

يفضل أن تكون المقابلة ببيت أو بيتين بالنص وبسطر أو بسطرين من النثر المكتوب بصفحة واحدة لئلا يكون الإكثار بالمحسنات البديعية يطغى على الشاعرية والمعاني ، وهذا أمر مهم ، وكذلك امنح نفسك الانسيابية لا تجعل الهدف هو أن تضع المقابلة بنصك لكن الهدف هو أن تطوّع المقابلة لتحقيق معانيك ورفع سقف الجودة متى شعرت أنك بحاجة لهذا المحسّن

نضرب مثالا تدريبيا وتعبيريا :

لقد كتبت مقدمة اللقاء بينك وبين من تحب و(أنت تهدف لإبراز توهج الشوق حتى حين اللقاء واشتعاله ) فكيف ستكتب هذا من خلال المقابلة ؟

هذا المحتوى خاص فقط لأعضاء الشبكة وفق هذه الاشتراكات
اشترك الآن واستفد من خدماتنا التعليمية والتطويرية،
Already a member? Log in here


تدريبات / أسئلة قصيرة / المستوى الابتدائي 

0

المقابلة – علم البديع

المستوى البدائي

المقابلة هي الجمع بين أضداد مع معاني متوافقة من باب المقارنة أو المقابلة

1 / 2

هل هذه مقابلة أم مطابقة ؟

إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب“.

2 / 2

هل هذا البيت به مطابقة أم مقابلة :

ما أحسن الدينَ والدنيا إذا اجتمعا
وأقبح الكفر والإفلاس في الرجلِ


تدريبات /أسئلة قصيرة / المستوى المتقدم :

هذا المحتوى خاص فقط لأعضاء الشبكة وفق هذه الاشتراكات
اشترك الآن واستفد من خدماتنا التعليمية والتطويرية،
Already a member? Log in here

ملخّص المقابلة صوتيًا 

المراجع :

  • جواهر البلاغة ، الهاشمي 
  • علم البديع  ، د عبدالعزيز عتيق
  • البلاغة الواضحة ، علي الجارم ومصطفى أمين،

Related معارف

زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض