نثرنصوصالخواطر

كأنّي سحابةٌ تنهشها الريح..

BjYVKxfIYAAYXjq.jpg largeاللحظة التي تكشف لي عن خفيٍّ أليمٍ تُعمّقُ علاقتي بالزمن وتستدعي كل اهتمامي بعقرب الساعة النحيل الذي لا يكاد أن يُرى .
وكسمكةٍ صغيرةٍ في قلب المحيط لا أستطيع القفز بالهواء بمقدار خطوتين لذلك العقرب الضئيل المسالم.
إنَّ قصتي معك مريرةٌ جداً كرواية الديموقراطية في مجتمعٍ عربي !
وجعٌ ونصفُ حقيقة ، ومطلوبٌ مني أن أركل ساقيَّ في هذا الطريق الذي كلّ ما به يُشعرني بمرارة الذبول وخديعة الحياة .
هل ترين بعينيك اللتين كتبت بهما أجمل قصائد شعري ما فعلتِ بغابتي ونهري ؟!

ما اقترفت ببلاهة الحمقاوات بلغتي وبوجهي الذي كان أنتِ ؟
بوجهي الذي نُزعتِ منه بمخالب وبراثن وأنياب،حتى أصبح حطيماً هشيماً لا تتكلم عنه إلا قصص السعالي والأغوال لعجائز القرى الموهوبات بتأليف الرعب
وإنَّ لأقصى الألم وغايته أن تكون كل تلك النازعات بيدك ، وقلبك لا بيد الدهر ولا بقلبه ، ثم ماذا تنتظرين أن يكون بعد هذا ؟
أن أسيرَ في الطريق ذاته ؟ وأحملَ الورود ذاتها ؟ وأتقمصَ دوراً كان يعبّر عني ؟!
 أيتها البلهاء الحمقاء !
 لم يعد هذا طريقي أبداً ..
وإن كنت تقرئين بين آونة وأخرى جديداً يرمز لأشياء ويستعمل ألفاظاً كنا قد أطلقناها بزمان مضى إنما لأقتل ما تبقى منك ولألعن لغة الظل وأحرر قلبي من جند الذكريات ولأنظر بتأمل عظيم كيف سأجيب
سؤالاً يتقاسمني منذ عقدٍ ونيّفٍ ويتلوني بتراتيل الضياع غربةً وسراباً .
إنه السؤال الذي جاء هكذا من أعماقي :
أمَا لقطار الحزن من سكة وجعٍ سواي ؟!

لقد أخذ الأسى ذاكرتي وأباح للرماد جذوة قلبي . تفاصيلي لا قيمة لها فالجميع غائبون بما فيهم أنتِ.
لعمرك إنني أتناثرُ وحيداً هاهنا وأكلم نفسي وعقلي يصنع أصواتاً لكائنات لا أراها فجحافل الصمت تطوقني يمنة ويساراً..
فهل يستطيع الجدار الذي يحيط بي أن يتخلى عن كل هذا الصمت أو يتبرأ أو ينجو منه ليؤكد أنّ أملاً ما سيأتي كنسمةٍ عليلةٍ إلى صدري؟
وسؤالٌ يتلو سؤالاً وخاطرة تجرُّ أخرى
كأنّي سحابةٌ تنهشها الريحُ وتنزفُ تنزفُ حتى العدم ..
ومن ذا الذي يعلمُ ما تعانيه سحابة ؟!
أنا غائبٌ غارقٌ في أعماق ذاتي كناقةٍ عمياء ما أبصرت قط .
أنا غارقٌ بالضوضاء ، مذبوحُ الصمت والسكون ، وبأعماقي حتى أجسام جولجي تتكلم !
ولأخفف عن وجداني كل هذه العذاب أردد حين مداهمة اليأس لمروج روحي وجداول شرياني :
،،
غداً تزهر الأغصان وتثمر ، غداً يسير الطفل الذي يزحف ، غداً تزدان الكواعب بقوافي الشعراء ، غداً يكون كل التغيير إلا القبر سيظل بعتمته وسكونه
وبين موجة وموجة ، وهبةِ نسيمٍ قادمٍ من ظلال الجبل الممتدة المستطيلة وهبةٍ أخرى لأنفاسٍ تنطلق من أنوف الأعشاب الخضراء ، سأراها سأراها ..
ومع كل انثيال للضوء من وجنتيها سأرافق طفولتي ومخيلتي سيراً على الأقدام لئلا تنتهي رحلتنا سريعاً ، وحينئذٍ كل المراكب والركَاب  أعدائي..
،،
ثم إنّني وأنا أردد هذه الكلمات لستُ مكترثاً بما تنتظرني به يقظتي ، فلدي من مهارات الصبر وامتصاص المفاجآتِ السيئة ما يجعلني أيوبَ عصري !
فإذا عدتُ من هناك وجدتُ نفسي كما كنت واقفاً كنخلةٍ وحيدةٍ في بيداء وعيناها للسماء وجفونها شعوبٌ من العاطلين عن العمل.
وكحنجرةٍ لم تنطق قط ملعونٌ قدري..
ألتائهِ القلب ومَهِيضِ الجناح ومذبوح الأمل كلمةٌ تهزمُ كلَّ هذا الأسى ؟
يا الله ،
يهطل الغروب الآن وأنا أكتب لكِ هذه الكلمات، فهل تذكرين كيف كان الطريق ونحن نودع الشمس متجهين لمدينة الليل ؟ ، يا الله كيف تعود الأشياء والذكريات لا تعود !
وباختصارٍ لذيذٍ مريرٍ ، أنا متحف ذكرياتك المهملات ..
ولأني كذلك
أرمي نفسي في زوايا المكان ، أسترقُ السمعَ ، ألتفُ كأفعى ، أنقلبُ لزهرة ، أتراءى للنوافذ كنسمةٍ في ظل جبل ، وكلّ هذا لأرى الأشياء بعين غيري.
سمكةٌ في نهر جارٍ ، بجعةٌ تراقص السماء ، ثعلبٌ في حقل ، صخرةٌ صمّاء ، عقرب سوداء ، عينٌ هدباء، وربما كنت أيضاً بقية الأشياء
وتبتلعني الليالي وتلفظني ، وترسمني المأساة وتمحوني ،وأكرس نفسي مع كل هذا للكتابة لأنها هرب ، هربٌ عظيم وقوده الألفاظ والأوزان والنحو والبلاغة وأنتِ.

ولا أخفيكِ أنّني قبل كتابة أي قصيدة أتجوّل في صحرائنا الكبرى حتى تقع قدمي على لغم خلّفته حربنا العالمية الثانية .
إنني أنتحر مع كل قصيدة لتشعري بالذنب..
ولأحزَّ رقابَ مشاعري بأسيافِ الكتابة ..
وإنّ لطيفك القتّال المنسوج من الاحتفالات ما لنغمة تسللت فجأة بين حشود الصمت ، فأيقظت المسامع ، وأثارت الانتباه ، وأشعلت النبض ، وأضاءت الشموع ثم تلاشت والحياة تملأ المكان !
وبين كل هذه التموجات والتعرجات أجدني مشتتاً منزوع الهدوء بخيالات ثجّت علي ..

لا عليكِ !
إنْ كنتِ مكترثةً، فأنا بخير الآن وأصابعي بقلوبٍ مستقلة ،
انظري ! هاهي تكتب وكأنّي ملك !
لكنّي لن أعود إلى ما قطعتُ فيه ألف معاناة ومعاناة ، فلقد تجاوزكِ الحبُّ ورماكِ كجريدة ورقية تتسوّل القراء في الطائرات .

– بقلم عصام مطير البلوي

0 0 votes
تقييم الأعضاء

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض