قراءاتدروس بالشعر

من التجربة إلى الشعر

image_pdfimage_print

img_3201كل تجربة  ، مشروع قصيدة .
أيًا كانت تلك التجربة ، شعورية أم اجتماعية ، موقفك من الأشياء أو الأحداث أو رؤيتك للكون أو لنفسك .

لكن كيف ستجعلها شعرًا؟ ، هذا هو السؤال المهم .
الإجابة باقتضاب ،
من خلال اتجاه النص :
هجاء لها أو لعناصر منها .
مديح لها أو لعناصر منها .
تأسي وأسى منها أو عليها .
توظيف لها في غيرها.
،
ويدخل فيما سبق بطريقة العرض :
وصفٌ لها مباشر
توصيف بخيالات قصصية مقاربة لتركيبتها
توصيف برموز
،
مخاطبتها أو مخاطبة الآخرين بها
عرضها موعظةً أو حيرةً أو مأساة أو مزيج مما سبق
،
ويدخل في تراكيب المعاني :
الربط بينها وبين قضايا مشابهة
مزجها بقصص الأولين
استخلاص الحكم والنتائج
توضيح الوضع الحالي لك ولها أو تركه لخيال القارئ
،
ويدخل في شاعرية النص في تكوين المعاني ؛
تضخيم المشاعر بالمقارنات
تفخيم المعاني بعناصر الطبيعة
المبالغة بالتمني ، والتحسر
،
ويدخل في ضبط السياق والانتقالات بين الأحداث :
السؤال
التعجب
الدعاء
التضمين
الحكمة
النداء
،
هذا باختصار شديد هو العمل الشعري
وهكذا تستطيع تحويل قضية خاصة إلى قضية يعالجها الشعر
،
واخترت لكم قصيدة
“مقتل كليب، الوصايا العشر”
إحدى القصائد الثلاث التي كتبها أمل دنقل
في أقوال جديدة عن حرب البسوس.
والقصيدة على البحر المتدارك
ومن وصاياها:
“لا تصالحْ! ..
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى.”

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

هذا النص كتبه أمل دنقل في نوفمبر ١٩٧٦ ميلادية ، وهو يأتي بسياق ما كان يدور حول المصالحة العربية (مصر/السادات) مع إسرائيل وما يتم طبخه آنذاك
القصيدة أخذت شكل الاستحضار التاريخي لقصة الصراع بين بكر وتغلب ،
وقد قام الشاعر بإعادة صياغتها لتكون بدلالة الثأر الممجّد ، والثبات على الحق،
فمن خلال جلب القصة التاريخية إلى الشعر وعرضها بتراكيب شعرية ،
يمنح الشاعر نفسه فرصة التعبير الحر بعيدًا عن مخاطر (الاعتقال/القمع) .
تلك الفترة كان من الصعب مواجهة نظام السادات وقراراته ،
والعرب بصفة عامة يرفضون التعددية وحرية الرأي عندهم سطحية شكلية والرأي قد يتسبب بالموت
بما سبق تظهر أهمية الأدب ، والشعر خصوصًا له وضعه في منح المرء قدرة الاعتراض مع إمكانية النجاة من إرهاب الحكومة أو الجماعة .
قصة بكر وتغلب (أبناء عمومة) في حرب البسوس ،
اتجه بها الشاعر لتكون منطلقًا لرأيه بعملية السلام بين العرب واليهود (أبناء عمومة) …
أزاح الشاعر القصة من موضعها التاريخي في الثأر القبلي ، لتكون بدلالات الكرامة والثبات والاستمرار في الكر والفر حتى تحقيق هدفها من قتل المعتدي
أخذ الشاعر بمخيلته ليبني تراكيب النص من خلال القصة ويستند على ما بها من أحداث عامة ليسلطها على أحداث اليوم التي أثارت الشاعر
وحين جلبِ القصة التاريخية للشعر يتوجب على الشاعر أن يراعي سير أحداثها بطريقة لا تقصم المشهور عنها ، ويسلط الضوء للاتجاه والزاوية التي يودها.
منحت قصة حرب البسوس ، الشاعر أمل دنقل المساحة الحرة لانتقاد ومعارضة سياسة المصالحة مع إسرائيل ، وقد كرس الشاعر كل أدواته في ذلك
وقد قسّمها لثلاث قصائد : وصايا كليب ، أقوال اليمامة ، مراثي اليمامة .
أقوال اليمامة ،
القصيدة على البحر المتقارب :

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

بالنظر والتأمل فيما كتبه أمل دنقل بشعره ، باستحضاره القصة التاريخية ، وإزاحتها من دلالاتها القديمة ، لدلالات جديدة ، والاستشهاد بها
للتأصيل على أصالة الحرب في الدفاع عن الحق والثأر للقتلى في الإرث والفكر العربي ، وما منحه الشعر من انطباع إنساني للنزعة ..
نصل إلى أننا أمام شاعر متمكن وبارع ومبدع ، استطاع أن يمنح فن الشعر العربي نقلة نوعية في استحضار القصة التاريخية العربية بالنص الحر الشكل
في ميادين السياسة وبأوقات صعبة وحرجة .
شاعر يمتلك الفكر والرؤية والأدوات الشعرية واستطاع أن ينقل موقفه (تجربته) إلى ميدان الشعر ليوصل لنا ما يريد من معاني وأفكار،
وقد اتخذ لذلك اتجاهًا بالنص من خلال المعاني المراد قولها هجاء مبطنًا لمن يخالفها وعرض تكوينها القصصي باستحضار التاريخ وأحداثه ،
وضخّم المشاعر بالمقارنات التي يجدها القارئ في قراءة النص مع ما يدركه من معنى مضمر موجّه للعرب وحكامهم.
عصام مطير البلوي

الرسمة الملحقة للفنان الإيطالي Giovanni Boldini (31 December 1842 – 11 July 1931)

image_pdfimage_print
0 0 votes
تقييم الأعضاء

🕶 كُن معنا!

ستصلك منشوراتنا كل أسبوع عن الجديد
والمثير بعالم الشعر والفلسفة

لن نرسل لك البريد العشوائي أو شارك عنوان بريدك الإلكتروني مطلقًا.
اقرأ المزيد في سياسة الخصوصية الخاصة بنا.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض