نثرنصوصالخواطر

كحزن العراق الذي جاءت به خناجر العرب

أنا كحزن العراق الذي جاءت به خناجر العرب..
ثم وقفَتْ شامخةً كالخنساء لتنبض بأعماقي مدى الحياة.
هبةُ السماء لي أن أكون وحيداً ويالها من هبة لم أعرف قيمتها إلا متأخراً

مثل كل أولئك الذين تصطدم رؤوسهم بصخرةٍ كنتُ..
فتلعثمت الأقدامُ على الطريق وأصبحت كل القناعات

مهزوزة جداً فمنها ما تبعثر ومنها ما تبخر ..
فالحياة ذاتها والظروف بكل مافيها لم تعد موجودةً بل أن قلباً رعاني وأحبني لم يعد موجوداً..
والتفت الساق بالساق وتهاوت الثوابت والأركان واحدةً تلو الأخرى لأكون هائماً على وجهي في مدينة مكتظةٍ بكل

المتناقضات أبحثُ عن طوق نجاة..
إن الخطأ العظيم الذي ارتكبته عمداً مع سبق الإصرار والترصد والتكرار كذلك أنني كنتُ أبحث عن طوق

نجاة في مدينةٍ غارقةٍ بكل مافيها  بوحل الأنانية والتخبط والجشع ..
جئتُ  جسداً مصلوباً يودُ لو أن يُرفع للسماء أو أن يُدفن بالأرض لا أن تعانقه الأوجاع وما لجسدٍ كهذا سوى

أن يجرب كل الوصفات الشعبية حتى لو كان بسابق علمه أنها ليست إلا مزيداً من الألم والدمار..

جئتُ وخلفي عرش بلقيس وإيوان كسرى ومكتبة المأمون لأجد أنه ليس لي إلا أن اصطدم مع حياةٍ جديدةٍ

أجمل ما بها قبح لا يوصف فما كان مني سوى أن أسجن ذلك الانسان الأصيل بداخلي ولعل فعلي هذا كان

هروباً من الألم والوجع أو أنني كنت أنتقم منه بمزيد من الألم والوجع أو اثنينهما معاً ..

قررتُ أن أكون أو قرر ماحولي أن أكون أو قررنا جميعاً أن أكون انساناً آخر فإن أصعب الأمور وأشقها

وأسوأها أن يكون هنالك تغيير مفاجئ مُجبرٌ أنت عليه جاء من ظلمٍ مرير في هطول شبابك ..

سلكتُ كل طريقٍ أمامي وخضتُ مع الخائضين وتلذذت بأوهام السعادة التي كنت أصنعها بيدي حتى لا أتيحُ أي

ثغرةٍ أو فرصة لذلك الانسان الذي سجنته بأعماق أعماقي فيخرج أو يتنفس منها وما أن أنظر إليه لعنته وما أن ينظر

إلي لعنني..

سنواتٌ من الضياع والشك والتجربة عشتُ بها حياةً لم أعشها من قبل بل كانت موتاً بطيئاً أبذل جهداً عظيما كي

يسرع في غزوه لي وبكل الوسائل ، كنت أنتحر بطريقة مختلفة جداً وما لشخصٍ مر بما مررت به إلا أن يلقى

نفسه هكذا..

وفجأةً وأنا غارقٌ في وحل المدينة ألقى ظلماً عظيماً يجعلني مكبلاً لأشهر في حيزٍ من الوجود لا يتجاوز

أربع أو خمس أقدام ..
وياله من حيزٍ لا تجد فيه إلا أنت فقط .
في البداية كانت الدقائق سنوات طويلة والذكريات تمر أمام عيني فهي الأخ والصديق .
رأيتُ طفولتي وشقاوة مراهقتي وجمال ما كنت عليه من بداوة وبساطة ولا أنسى إني حينها تمنيت لو أني

راعياً للأغنام كما كنت في صغري بعيداً عن كل الحضارة .
ورأيت شبابي وتمردي وبسالتي في التعبير عن ذاتي ورأيت ظلمهم وتدميري ومعاناتي ..
لقد رأيتُ كل الوجوه والأحداث والتفاصيل وتفاصيل التفاصيل ..
ومع مرور الوقت ذبلت رويداً رويداً وكلما ذبل جزءٌ نشط جزءٌ آخر وكأنه ينبغي علي أن أراجع كل أجزاء

حياتي ببطءٍ شديد حيث لا مجال لذكريات جديدة وأنّى لي بجديد؟
لقد أراد الله أن يحرر الإنسان الذي حبسته بداخلي وعذبته سنيناً لينتفض أول انتفاضاته ويقودني للصمود

فهو الصامد منذ أن كان .
تحرر وأثر بالقرار..أي نعم  لم يكن تحرراً كاملاً ولكن أدركتُ حينها أنه لا يمكنني ارجاعه حيث كان وما أن خرجتُ حتى كنت مزيجاً بين مرحلتين من حياتي مما دفعني لاعتزال بضع أجزاءٍ كنتُ أهيم فيها بمرحلتي السيئة تلك..
 
لقد أتحتُ لنفسي أن تكون على الأقل ممثلة لأجزاء كبيرة مما مضى لأنهي بذلك قطيعة استمرت سنوات .
وما أن كان الإمتزاج بين ذات أصيلة وذات دخيلة حتى انتصرت الأولى على الثانية
وما كان لها أن تنتصر تماماً لولا رؤيتي هذا المجتمع وهو متعطش لدم فتى بأول شبابه أساء التعبير فلم يمنحوه فرصة حتى ليلتقط أنفاسه

وكلهم طمعٌ بأن يقطعوا شرايينه ويالهُ من موقفٍ هزني من الأعماق وأزال الغشاوة حتى انتصرت على كل ما تبقى من تلك الأشياء الدخيلة ..
إن خطئي الجسيم أن حبستُ بأعماقي انساناً وأردتُ أن أتعايش بواقعي المرير المفاجيء بدونه ، فأنى لي كل هذا البلاء؟
لقد تجاوزتُ أسوأ مرحلة من إهمالي لكل أشيائي الأصيلة وإني لأكون صادقاً إذ أعتذر لكل من تعرض للأذى مني أثناء تلك المرحلة السيئة واما ما أصابني منهم فالمغفرة والحب..

0 0 votes
تقييم الأعضاء

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Rkayz

مجانى
عرض